أميل إلى الصمت والتعبير بإطلاق الحس كما يفعل شارلي شابلن. . . ويعاونه الأستاذ بديع خيري وهو الذي يصوغ الكلام له، وهو رجل عاقل جداً لا أظنه جن يوماً حتى يستطيع أن يؤدي مع الكلام وثقله ما يريد الريحاني أن يؤديه على نحو الذي أداه شارلي بالصمت
على أني لم أيأس من أن تتاح للأستاذين المصريين فرصة قريبة في رواية قريبة يقدمان فيها مثل هذه الدرة الفنية العاتية الجبارة، فأنا أعرفهما يهيمان بكل ما هو عات من الفن جبار، وما دمت في معرض الذكريات فإني أسجل مع التقدير ليوسف وهبي دوره في كرسي الاعتراف، فقد كان عليه في هذا الدور أن يتصنع الجنون، وكان أشق ما عليه هو أن يوحي إلى النظارة أنه يتصنع الجنون من غير أن يكون في هذا الوحي شيء يصح أن يقول فيه أحد إنه كان من الممكن أن يلتفت إليه بطل من أبطال الرواية أو بطلة من بطلاتها
وما كان يوسف وهبي إلا لينجح في مثل هذه الرحلة المعقدة من هذا الدور، فهو أقدر ما يكون على الأدوار المعقدة لا الأدوار السهلة. . .
وذلك لأنه في حياته الخاصة لا يحب أن يترك نفسه على سجيته، لكثرة ما لاقى من متاعب في حياته، ولكثرة ما تعرض لأذى الناس وهجماتهم، فهو دائماً منكمش فيما بينه وبين نفسه، مطل على كل إنسان بناحية يعتقد يوسف أنها هي الصالحة لمواجهة هذا الإنسان، وهو بهذا يمثل دائماً، فإذا كان له دور سهل يراد منه فيه أن ينطلق على سجيته لم يجد سجيته، فهو مضطر بعد ذلك إلى أن يبحث عن سجية ما يتظاهر بها، وعندئذ ينكشف يوسف وهبي للعين النافذة ويظهر كأنه ممثل ضعيف، بينما هو يتقمص الأدوار المعقدة التي يعجز عنها كثير من فحول الممثلين ينطلق فيها متدفقاً كأنما يوحي إليه وحي، وكأنما يلهم التمثيل إلهاماً.
والذين شاهدوه في أدواره الأولى التي ظهرت بها فرقة رمسيس أول ما ظهرت لا يستطيعون إلا أن يشهدوا له بأنه ممثل مجيد ممتاز، وإذا كان النقاد في ذلك الحين قد اتهموه بالتهويش فإن هذا (التهويش) لم يكن مطلقاً إلا مبالغة فنية مقبولة استساغها الجمهور وأقبل عليها إقبالاً شديداً
وإني انتهز هذه الفرصة لأسأل يوسف وهبي عن هذه الأدوار لماذا تركها؟