دقائق فهو مشفق على نفسه جزع الموت، ولكنه مع هذا يضطر إلى أن يدافع عن نفسه بسرد حقائق مضحكة يعرف النظارة أنها لفقت على هذا المسكين تلفيقاً، وأنه كان يجب عليه أن يدرك هذا من قبل أن تفوت عليه فرصة النجاة
بهذا الموقف أراد الريحاني أن يضحك الجمهور وأن يبكيه في آن واحد، ولكن الذي حدث هو أن الجمهور كان يضحك فقط، ولم يبك منه أحد. ففات على الريحاني بهذا مأربه الفني السامي الذي كان ينشده، ولست أظن الريحاني كان عاجزاً عن الوصول إلى ما وصل إليه شارلي، فإن فيه من صفاء النفس وذكاء العقل وطواعية الروح ما يستطيع أن يحقق به كل الذي يحققه شارلي شابلن، أو أغلبه على الأقل؛ وإني أعتقد أن الريحاني فشل في إدراك هذه الغاية البعيدة لأنه لم يوفق إلى التمهيد الكيس الذي كان يجب عليه أن يأخذ به نفوس النظارة قبل أن يعرض عليهم الموقف، فالذي أذكره هو أن هذا الموقف قد جاء في (حكم قراقوش) عقب موقف آخر كان النظارة فيه منطلقين ضحكاً ومعربدين مرحاً، فلم يكن من السهل بعد ذلك أن ينقلوا من هذا الضحك وهذا المرح ليستقبلوا هذا الموقف المعقد المؤلم المضحك في آن واحد
وعندي أن الريحاني لو أنه نثر في المواقف السابقة لهذا الموقف بعض المؤلمات المتميزة الواضحة ليتخذ منها بعد ذلك قواعد يقيم عليها أعمدة الألم في الموقف المعقد الذي قصد إلى إبرازه. . . أقول لو أن الريحاني فعل هذا، فإنه كان من غير شك يصل إلى ما وصل إليه شارلي، ولو في بعض الليالي التي يمثل فيها (حكم قراقوش) إن لم يكن فيها كلها، فالواقع أن موقفاً معقداً كهذا يرتاح ممثل السينما بعد تسجيله، ويشقى ممثل المسرح كل ليلة في تحقيقه، وهو دائماً معرض للفشل فيه كما معرض للنجاح. . .
ثم إن الكلام نفسه في هذه المواقف مما يدعو إلى تبريدها وتخفيف حدتها والتهوين من عنفها، ولا ريب في أن صمت شارلي هو الذي ساعده على النجاح في هذين الموقفين، كما أن ثرثرة الريحاني في موقف قراقوش هي التي عطلته
ذلك لأنه ليس من السهل أن يهتدي الكاتب أو المؤلف إلى كلمة مجنونة يعبر بها عن حالة مجنونة فيها الألم والراحة معاً إلا أن يكون ذلك الكاتب مجنوناً، أو يكون قد جن في حالة من الأحوال، وروايات الريحاني يكتبها اثنان: الريحاني نفسه وهو يكتفي برسم معانيها لأنه