هل تظن أن (خواطر مهاجر) التي قرأتها في الطريق مرتين حتى كدتُ أصطدم بالجدران ُتلهيني عن (خواطر مهجور) التي أدرتها في خاطري مئات المرات ولم أجرؤ على صبها فوق صفحات القرطاس؟
وهل ترى أن أداوي همومي بالتفكير في بلايا المجتمع كما يصنع جليس (الكافورة الغيناء)؟
وكيف وما حملتُ القلم إلا وثبَ القلم وثبة المسعور وقد تألق أمامه السراب وهو يظن ويتوهم ويخال أني سأكتب إلى الذين لا يصل إليهم خطابي إلا بعد أن يمرّ بثلاثة رقباء، أولهم في القاهرة وثانيهم في فلسطين وثالثهم في. . . (؟)
إن سمح الدهر بيوم العتاب فسأقول وأقول وأقول
وإن ضنّ الدهر بيوم العتاب فسأرسل إلى الغادرين جذوة من جَذَوات قلبي ليعرفوا أن دمي لا يذهب هدَراً في دنيا النفوس الغوادر والقلوب الشِّحاح
بتذكِرة بريد تكاليفُها أربعة فلوس تداوَي جراح
قلبي فهل رأى الناس أبخل من الذين يستكثرون أربعة فلوس على من جاد في هواهم بالعافية والأمان؟
ويزيد بلائي كلما تذكرت أن الخلاص من أسرهم هو رابع المستحيلات، وكانوا أوهموني أن دنيا الوجد لا تعرف المستحيل، يوم كنا نتناجى بنبرات أرقّ وألطف من وسوسة الأزهار في أسحار آذار
ولا تحسبوني نسيت العهد، يا أصفياء روحي، فما الدنيا بدون هواكم إلا هجيرٌ تموت في وقدته رياحين القلوب، كما تموت أعشاب (الموصل) عند قدوم حُزَيران
وآه ثم آه من القلب الذي تعجز الخطوب والصُّروف عن وَأْد ضلاله القديم!