الحياة الكريمة التي تحفظه حراً لا يستعيد روحه وإن استعبد جسمه
إذاً فلننظر للحياة نظرة المدركين لوضعهم في الحياة، المحرومين من الحرية واجتماع الشمل، بل فلننظر للحياة نظرة المدركين لوضعهم في عين فرنسا نفسها؛ فهي تنظر إلينا كأعداء. . . وإن هذا الإدراك يدعونا دائماً إلى الكفاح لاستكمال سيادتنا ورفع النير الثقيل عن عاتق قوميتنا
ولنحذر من الإسراف في شهوات العقل والتمتع بالترف العقلي والبدني الذي هو لدى أعدائنا حتى لا يصيبنا التخدر والذهول عن وضعيتنا الراهنة، وإن للعقل شهوات تخدر الروح وتقعد بها عن الكفاح للحرية كشهوات البطن والفرج سواء بسواء!
هي في ميزان الأخلاق كالرشوة بالدينار والمرأة والكأس. فكل من خدرته دنيا الغاصبين لحقوق قوميته أو عقيدته فنسى وضعه في أعينهم، ومد عينه إلى ما عندهم من زينة الحياة وأحبهم من أجلها، ونسى مرارة العداوة، ولم يقف في صفوف المألومين من قومه، فهو لا شك مرتش قبض رشوته من شهوات عقله ونفسه.
إننا الآن نشاهد أمماً حرة عالمة مثقفة تحطم حياة أمم أخرى عالمة مثقفة حرة مثلها في سبيل إرضاء ما تعتقده كرامتها وكمال وجودها، ولا تبالي في هذا التحطيم بروح تلك الأمة المحطومة
ولا مواريث ثقافتها ولا متاحفها التي تبين عن (روحها الحلوة) والحاطم والمحطوم من أرق شعوب الأرض وبينهم رحم في التاريخ والجنس والعقيدة. . . ومع ذلك لا يفرقون في حربهم بين السياسة والفضيلة؛ فكيف يطلب من نحن المغيظين المحنقين المحرومين من كل شيء المنظور إلينا كأننا من أفق حيواني دنئ، أن نفرق بين أساليب أعدائنا الاستعمارية وبين روعهم الحلوة وثقافتهم الممتازة التي لم يقدموا لأبناء عقيدتنا وقوميتنا شيئاً منها إلا ما هو بمثابة السروج واللجم التي تمكنهم من ظهورهم؟!
بل أدهى من ذلك وأمر: يضع فلاسفتهم - وهم من سكان الأبراج العاجية التي توحي بسمو النظرة - الخطط لتحديد ما يقدم لأبناء قوميتنا من العلم وما يمنع عنهم: فهذا (غوستاف لوبون) الفيلسوف الفرنسي الذي لم ير العرب مثله إلا قليلاً في دفاعه عنهم وبيانه لتاريخهم وفضائلهم ووقوفه عل أسرار فكرهم وروحهم؛ تراه في كتاب (روح التربية) يعقد فصلاً