للبحث في تربية أبناء المستعمرات - ومنهم العرب الذين تحت حكم فرنسا - ينادي فيه بوجوب تحديد ما يقدم لهم من الثقافة بما لا يخرج عن نطاق التعليم الأولي. . .!
فأنت تراه حين تدور مصلحة قومه ووطنه ينزل من برجه العاجي، ويخلع ثوب الفيلسوف المنصف، ويلبس ثوب المستعمر الظالم والوصي الحريص الذي لا يريد للقاصر بلوغ رشده أبداً. . . وبهذا تلتقي نظرة بنظرات ساكني الأكواخ ورجال الشوارع وأرباب المال والأعمال ومحبي استذلال الشعوب من الفرنسيين الذين يعيشون في نطاق المصلحة المادية والأنانية الشعبية ولا ينظرون لمبادئ ثورتهم التي ملئوا الخافقين دعاية لها
والأمة التي يريد (لوبون) تقييد عقولها هي التي أخرجت (أبن خلدون) أبا فلسفة التاريخ والاجتماع اللذين نبغ فيهما (غوستاف). . . فيا للعقوق!
وعلى هذا فلا ضير على ولا جناح ولا ملام حين أطلب من الباكين لما نزل بفرنسا أن يبكوا عليها وحدهم بصوت خفيض لا يسمعه إخواننا العرب الباكون ليل نهار لما ينزل بهم من فرنسا. . . وإلا كان هذا البكاء منا شماتة بالعرب أنفسهم أو تبجحاً بجرح شعورهم الذي يتألم منذ مائة وخمسين سنة غداة احتلت فرنسا ديارهم ولم تسمح لهم بحرية العلم الذي هو وطن الإنسانية جميعها
وهل من الشماتة يا صديقي نجيب أن لأفرح لضعضعة سلطان غاشم جاثم على صدر بني ديني ودمي، لا يسمح لهم أن يتنفسوا أنفاس الحرية ويتمتعوا بالعلم والثقافة والنتاج العقلي الفرنسي الذي فتنك حتى أحببتهم ودافعت عنهم وبكيت لهم؟! وإذا كانت هذه شماتة فكيف يكون الشعور بالوطنية ووحي الدم المتحد؟!
إن كانت هذه شماتة فأنا أول الشامتين! وأنا بها إنسان موزون القوى صحيح الطبيعة، لم تخدرني عن واجباتي صوفية صناعية ومجاملة بلهاء في تغطية مشاعري نحو بني ديني ودمي.
وأنا بها أيضاً بريء من طفولة النظرة إلى ما عند أعداء قومي وديني، ومن الانخداع فيهم، ومن نسيان أول حق يجب أن يراعى، وهو حق الحياة والحرية والعلم
ونحن إذا طاوعنا أنفسنا في الافتنان بما عند الأوربيين من الفن والأدب خيره وشره، وألقينا إليهم السلم، ونسينا أنهم غصبوا حقنا الأول في الوجود، فأولى بنا أن نترك لهم