للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أوطاننا، وننحاز بحضارتنا الروحية التي من شأنها أن تعدل ماديتهم، وتكسر من شرتها وحدتها، إلى الصحارى لننجو بصحة العقائد في الحياة وربها، والقيمة السامية للإنسانية فيها

نعم، وذلك أولى من الفناء فيهم والإعجاب بهم إعجاباً يحملنا على نسيان نظرتهم إلينا، وعلى اغتفار جناياتهم على أرواحنا وعلى كرامتنا

إنهم يا نجيب هم الذين صيرونا كما ترى وكما تنعى (نعيش عليهم كما تعيش الطفيليات عبئاً على غيرها)

وأنك لتذكر أننا سبقنا اليابان في نهضتها المضارعة لنهضتهم الآن، وذلك بقيادة محمد علي ذي العمامة العجراء والجبة القوراء. . . ولكنهم هم الذين اشتركوا في تحطيم نهضتنا لنعيش عالة عليهم. . . فتنتفخ جيوبهم وتمتلئ ديارهم بألوان الترف والنعيم.

إنهم جعلوا همهم أن نكون سيئي الظن بأنفسنا، حتى أوشكنا أن نصدق دعاويهم فينا أننا أحط منهم بحيث لا يمكن أن نرقى إليهم. والله الذي خلق الناس أنواعاً يشهد ويشهد معه أولوا العلم، أن جوهر أبن آدم واحد ولكنها التربية والعلم هما (الحجران السحريان) اللذان يرفعانه إلى أعلى عليين أو يخفضانه إلى أسفل سافلين. . .

حين تكفر فرنسا بأغلى مواريث حضارتها، وهي مبادئ ثورتها، وتعذب الإنسان وهي التي زعمت وزعم لها أبواقها أنها معلنة حقوق الإنسان ووطن الأحرار، فكيف تطلب من يا نجيب أن نصدق فلسفتنا الفردية وأن نعشق روحها الحلوة التي تبين عنها فنونها؟! إنها كفرت بفلسفتها الإجمالية التي لم ترق لها مداداً على ورق بل أراقت لها دماً غزيراً وأزهقت في سبيلها أرواحاً لا عدد لها، وحطمت من أجلها ملكاً كبيراً في ثورة جنونية. . . فكيف تريدوننا أن نبكي على شيء من ميراثها بعد ذلك ولو كان أصفى ما أنتجه العقل وأروع ما أخرجه الفن، ما دامت الفلسفة الفردية والاجتماعية لم تؤثر في نفوس من يحكمون الناس باسمها؟

إذا كفر رسول برسالته فهو دجال مشعوذ لا يؤمن به إلا الحمقى والمغفلون وتابعوا كل ناعق ممن تنزات عقليتهم عن مقام أهل الفكر الذين وكل الله إليهم إدراك وجهة الحياة وإقامة الأحكام بالقسط على الناس. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>