تزاحم مهاجرٌ وأنصاري على ماء، فلطم المهاجرُ الأنصاري، وكان هذا حليفاً لأبن أُبي، فلما سمع ابن أُبي الخبر أخذته حمية الجاهلية، وأراد أن يغري الأنصار بالمهاجرين، وقال: والله ما صحبنا محمداً إلا لنلطم! والله ما مثلُنا ومثلُهم إلا كما قيل: سمن كلبك يأكلك. وأما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليُخرِجنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ. وعنى بالأعز نفسه، وبالأذل رسول الله. ثم قال لقومه: ماذا فعلتم بأنفسكم؟ أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، وأما والله لو أمسكتم عنهم فضل الطعام لم يركبوا رقابكم، ولأوشكوا أن يتحولوا عنكم، فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد. فسمع بذلك زيد أبن أرقم وهو حَدَث، فقال له: أنت والله الذليل القليل في قومك، ومحمد في عز من الرحمن وقوة من المسلمين. فخاف أبن أُبي العاقبة. وأخبر زيدُ رسول الله الخبر، فأراد عمر أن يضرب عنق أبن أبي، فقال رسول الله: إذن ترعد أنف كثيرة بالمدينة. أليست هذه النتيجة التي تحاشاها الرسول هي ما يسعى إليه المنافقون؟ فأقترح عمر أن يقتله رجل من الأنصار. فقال النبي الكريم: فكيف إذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه؟ ثم قال النبي الكريم لعبد الله: أأنت صاحب هذا الكلام؟ فحلف بالله ما قال، وإن زيداً لكاذب. ولكن الله كذبه وصدق زيداً بقوله:(هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى يَنْفُّضوا ولله خزائن السماوات والأرض، ولكن المنافقين لا يفقهون. يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذَلَّ. ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون)
هذه أعمال المنافقين ومكايدهم، وغايتهم منها استئصال الإسلام وطرد النبي من المدينة، وتنفير الناس من دينه بإشاعة السوء عنه وعن أهله، وإنشاء ذلك المسجد آخر الأمر ليدبروا فيه دسائسهم، ولكن الله كان لهم بالمرصاد، وانكشفت حقائقهم ونجا المسلمون من شرهم؛ ثم نُهُوا عن مصافاتهم والانخداع بأقوالهم. أما أعمالهم التي رغبوا أن تجر الويلات على المسلمين في الحرب فموعدنا بها العدد القادم.