(ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب) وهم بنو النضير (لئن أُخرجتم لنَخْرُجَنَّ معكم ولا نطيع فيكم أحداً أبدا، وإن قوتلتم لننصرنكم. والله يشهد إنهم لكاذبون) فقد أُخرج بنو النضير من المدينة ولم ينصرهم المنافقون ولم يخرجوا معهم بل بقوا في المدينة يخذلون المؤمنين في الحرب كما خذلوا بني النضير، ويلتمسون المعاذير لقعودهم في الجهاد في سبيل الله كما سيأتي بيانه
وكانوا (لا يأتون الصلاة إلا وهم كُسالَى، ولا يُنْفقون إلا وهم كارهون)
ولم يسلم النبي من سخطهم عليه في توزيع الصدقات. فكانوا يتهمونه بعدم العدالة في تفريقها إذا لم ينلهم منها شيء (ومنهم من يَلْمِزُكَ في الصدقات. فإن أُعْطوا منها رَضُوا وإن لم يُعْطَوْا منها إذا هم يسخطون)
وكانوا يتهمون النبي بالغفلة، وأنه يصدف كل ما يسمع، ويقبل قول كل أحد، وهم الذين قال الله فيهم:(ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أُذنٌ، قل أُذنُ خَيْرٍ لكم، يؤمنُ بالله ويؤمن للمؤمنين، ورحمة للذين آمنوا منكم، والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم)
وكانوا يستمعون آيات الله ويهزءون بها، كما كان يفعل أهل مكة من المشركين. وكانوا يفعلون ذلك عل مسمع من المؤمنين وفي مجالسهم، فنهى الله المؤمنين عن مجالستهم ماداموا على هذا الاستهزاء، وأوعد الكافرين والمنافقين أن يجمعهم في جهنم، وقال للمؤمنين:(وقد نزَّلَ عليكم في الكتاب أنْ إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأُ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره، إنكم إذا مثلهم - في الإثم لا في الكفر - إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً)
وكان منهم قوم ماهرون في إخفاء النفاق وستر الكفر إلى درجة عظيمة، فخفي أمرهم حتى على النبي، وهو اللبق الفطن، الذي لا يعدله أحد ذكاء وقوة وفراسة، وشدة فطنة، وخاطبه الله فيهم قائلاً:(وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق، لا تعلمهم نحن نعلمهم، سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم)
وفي غزوة بني المصطلق أرادوا أن يفرقوا بين المهاجرين والأنصار، وأوعد عبد الله أبن أبي المهاجرين أن يخرجهم من المدينة. وتفصيل ذلك أنه بعد انهزام بني المصطلق بقيادة رئيسهم الحارث بن ضرار عند ماء يقال له (المرْيسيع) في السنة السادسة من الهجرة،