عرب، للعرض عندهم شأن أي شأن؟ وهل يبقى ضعاف الإيمان أتباعاً لمحمد إذا ثبت على زوجته ما رُميت به من زور وبهتان؟ لابد من وحي يبرئها، ويثبت طهارتها، ويلعن من افترى عليها، وبخاصة رئيس العصبة التي جاءت بالإفك، وهو رأس المنافقين، ونزل قوله تعالى:(إن الذين جاءوا بالإفكِ عُصبةٌ منكم، لا تحسبُوهُ شراً لكم، بل هو خير لكم، لكل امرئٍ منهم ما أكتسب من الإثم، والذي توّلى كبْرَهُ منهم له عذابٌ عظيم) فثبتت عفة عائشة وطهرها، وحد الرسول من جاءوا بالإفك حد القذف، ولعنهم الله في الدنيا والآخرة، إلا الذين تابوا. ورد الله كيد أبن أُبي في نحره، ونجا الإسلام من الفتنة التي أرادها بالطعن في الصديقة بنت الصديق.
وكانوا يأبون الاحتكام إلى النبي وإلى كتابه إلا إذا كان على وفق هواهم. وفي ذلك يقول الله تعالى:(وإذا قيل لهم تعالَوْا إلى ما أنزلَ اللهُ وإلى الرسول، رأيتَ المنافقينَ يصدُّونَ عنك صدوداً). وأبى الله أن يقبل منهم إيماناً إلا إذا قبلوا حكومة الرسول عن طيب خاطر. فقال:(فلا َوَرِّبك لا يؤمنون حتى يُحَكِّموك فيما شَجَرَ بينهم، ثم لا يَجِدُوا في أنفسِهم حَرَجاً مما قَضَيْتَ، ويُسَلِّموا تسليماً)
وكانوا يستمعون من المؤمنين ويعرفون أسرارهم وخططهم الحربية، وما في نفوسهم من ثقة بالفوز أو خوف واستشعار، ويذيعون ذلك ويتحدثون به، فيبلغ الأعداء، فيكون في ذلك مفسدة؛ قال الله سبحانه:(وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذَاعوا بهِ، ولو رَدُّوه إلى الرسول وإلى أُوِلي الأمر منهم لَعَلِمَهُ الذين يَسْتنبِطونه منهم)
وكان من أسباب نفاقهم أنهم كانوا يودون الربح من وراء هذا النفاق؛ فإن انتصر المؤمنون قاسموهم في الغنائم، وإن انتصر المشركون انحازوا إليهم، وبينوا أن ذلك كان من فضل نفاقهم، وأولئك هم الذين وصفهم الله للنبي الكريم في سورة النساء فقال:(الذين يتربصون بكم، فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم؟ وإن كان للكافرين نصيبٌ قالوا ألم نسْتَحْوِذْ عليكم ونمنعكم من المؤمنين؟)
وكانوا (يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة؟ فإن العزة لله جميعا) ويعدون الذين كفروا من أهل الكتاب أن يكونوا معهم على النبي وأن يخرجوا معهم من المدينة إذا أخرجهم المؤمنون منها، كما بين سبحانه ذلك في سورة الحشر، قال سبحانه: