المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله، والله يعلم أنك لرسوله، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون. اتخذوا أيمانهم جُنّة فصدُّوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون. ذلك بأنهم أمنوا ثم كفروا فطبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون. وإذا رأيتهم تعجبُك أجسامهم، وإن يقولوا تسمعْ لقولهم كأنهم خشب مسنَّدة، يحسبون كلَّ صيحة عليهم، هم العدوُّ فأحذرْهم قاتلَهم اللهُ أنى يؤفكون)
وأما طعنهم في النبي فكان كثيراً، وكان من الطعن الذي لو ثبت لكان هادئاً للرسالة، وقاضياً على صاحبه، فكانوا يتهمونه بأنه يأخذ بعض المغانم ويستأثر به على غير علم من أصحابه. روى أن قطيفة حمراء فقدت يوم بدر مما أُصيبَ من المشركين، فقال بعض المنافقين: لعل رسول الله أخذها، فنزل قوله تعالى:(وما كان لنبي أن يغل، ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة، ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون)
ولم يسلم آل البيت من مطاعنهم، فقد اشتركوا في حديث الإفك، وادعوا على عائشة أنها خانت النبي، وكان الذي تولى كبر هذا الإفك من المنافقين، وهو أبن أُبي
أما حديث الإفك فهو أن الرسول الكريم كان يأخذ معه بعض نسائه في الغزوات، وكانت عائشة معه في غزوة بني المصطلق، وكانت صغيرة السن، خفيفة الجسم، فنزل الجيش ذات ليلة، ثم ارتحل، وحمل هودج عائشة على جملها، ولم يدر حاملوه إن كانت فيه أم لا.
كان يجيء وراء جيش المؤمنين صفوان بن المعطل يحمل ما يكون قد تخلف من الجيش، فلما رآها غض بصره، وأركبها ناقته، وعاد بها إلى المدينة. فلما مر بابن أُبي قال: من هذه؟ قالوا عائشة. فقال والله ما نجت منه ولا نجا منها، ثم قال: امرأة النبي باتت مع رجل ثم جاء يقودها! وانتشرت مقالته، وسمع النبي الخبر، فأحزنه ذلك أشد الحزن، لأنها كانت أحب نساءه إليه، فهي بنت الصديق صاحبه في الغار، ورفيقه في الهجرة، وهي التي أختارها الله لنبيه، وزوجها له بوحيه. فما هذا؟ سبحانك! هذا بهتان عظيم!
استشار النبي أصحابه في الأمر، فأشار بعضهم بطلاقها، وظن بعضهم خيراً، ولم يشك في طهارة بيت النبوة، ومرضت عائشة زمناً وهي لا تدري من أمر هذا الإفك شيئاً. وحزن أبو بكر أشد الحزن، وحزن المسلمون حزناً عظيماً، وتطرق الشك إلى نفوس بعض الناس. فكيف يكون الموقف إذا تطرق الشك إلى بيت النبوة؟ وما يكون مركز المسلمين، وهم