ثمارها، وكان أن حرقتنا نارها. . . رأينا ذلك كله فما ثواؤنا في تبوك، وعلام نقيم فيها؟ ألنأكل على مائدة الأمير، ونثقل عليه؟
وتهيأنا للرحيل، لنقطع النصف الثاني من الطريق، وهو النصف الصعب المتعب، الذي وصف أبن بطوطة ومن كان قبله ومن جاء بعده صعوبته وهوله. . . وسرنا متوكلين على الله.
قال أبن بطوطة:
(يرحل الركب من تبوك ويجدون السير ليلاً ونهاراً خوفاً من هذه البرية وفي وسطها الوادي الأخيضر كأنه وادي جهنم أعاذنا الله منها، وأصاب الحجاج به في بعض السنين مشقة بسبب ريح السموم التي تهب، فانشقت المياه وانتهت شربة الماء إلى ألف دينار ومات مشتريها وبائعها. وكتب ذلك في صخر الوادي ومن هناك ينزلون بركة المعظم وهي ضخمة نسبتها إلى الملك المعظم من أولاد أيوب، ويجتمع بها ماء المطر وربما جف في بعض السنين).
أما نحن فلم نخش هذه البرية خشية البطوطي، بل وجدناها هينة بالنسبة لما مر علينا قبل تبوك، ولم نعرف شدتها وقسوتها حتى ضربنا فيها أياماً؛ فأدركنا أن أبن بطوطة كان صادقاً.
ولقد كنا خرجنا من دمشق بشيء عظيم من الزاد، وبمائتي صفيحة من البنزين، فنفذ كله قبل تبوك فجددناه فيها، وحملنا ما استطعنا حمله من الماء، وصحبنا دليلاً جديداً (اسمه محمد الأعرج) طويلاً مخيفاً شيطاناً من شياطين البادية، خبرونا أنه له عند الإمام عبد العزيز منزلة دانية، وودعنا الدليل الثاني صلبي الذي حدثتك عنه من قبل
ومن أغرب ما شاهدت في هذه الرحلة، أنه لم أجتمع الدليلان، وكلاهما شيخ قبيلته، طفقا يذكران الماضي، ويستعيد أخباره. ففهمنا أنهما كانا عدويين يتقاتلان ويتغازيان؛ فلما تدينا (أي تبع الشيخ أبن عبد الوهاب مصلح الجزيرة) نبذا ذلك كله، وتمسكا بالأخوة الإسلامية، وألف الله بين قلوبهم بالإسلام كما ألف بين أجدادنا عرب الجاهلية، فرحم الله أبن عبد الوهاب ورضى عنه وعن كل قائم لله بحجة، وداع إلى دينه بالحكمة والموعظة الحسنة، آمر بالمعروف ناه عن المنكر، ناصر للسنة قامع للبدعة