آلاف دقيقة للجمع والطرح، فان رسم الحل لهذه المسألة في منتهى البداهة
وليس الأمر قاصراً على الأعمال، فإذا قلنا (الأعمال لا تنعدم) فهو تكرير لقول الطبيعيين (المادة لا تنعدم) وهل الأعمال إلا نوع من المادة؟
بل الأفكار والآراء من هذا القبيل، فالفكرة لا تنعدم، والرأي لا ينعدم، فإذا دعوت إلى فكرة أو جهرت برأي، فقد أخرجت إلى الوجود خلقاً جديداً ينطبق عليه القانون العام، قد ينجح الرأي وتعتنقه الأمة، بل ويعتنقه العالم وتظهر آثاره في أعمال الناس وحياتهم ونظامهم، فتسلم معي بأنه لم ينعدم ولكنه قد يفشل، وقد يستعمل الناس في اضطهاده وحربه كل أنواع الأسلحة المشروعة وغير المشروعة، والرفيعة والوضيعة، حتى يختفي ولا يظهر في الوجود، فتظن إذ ذاك انه انعدم، وهو ظن غير موفق، فقد يخفى ليعود إن كان صالحاً، ولكن كان قبل أوانه فيستتر وينكمش، ويبقى حياً يتغذى في الخفاء وتنميه الأحداث، حتى إذا تم نموه وتهيأ الناس له برز إلى العيون ثانية أو ثالثة وهو أشد على مقاومة الحرب، وأقوى على مصارعة الباطل، حتى يكتب له النجاح - وحتى إذا كان الرأي فاسداً سيئاً لا يصلح لحال ولا لمستقبل فليس مما ينعدم، إنما هو يتحول ويتحور كلوح خشب لا يصلح بحالته أن يكون شباكاً فينجر، أو لوح زجاج ليس بالحجم الذي تريده فيصغر، أو حديدة لا يناسب شكلها وحجمها فتوضع في قالب جديد بعد أن تصهر، وهكذا في الرأي يغير ويعدل، ويطعم بآراء أخرى حتى يخرج خلقاً آخر، ولكنه في كل ذلك لا ينعدم وفرق كبير بين أن تقول: فشل الرأي وفشل المشروع، وأن تقول انعدم الرأي وانعدم المشروع. فالفاشل موجود والمعدوم معدوم. وشتان بين الموجود والمعدوم. فالرأي الفاشل أو المشروع الفاشل شيء حي قد تلقى درسا من الفشل ليصبح بعد رأياً قويماً ومشروعاً ناجحاً، وهذا لا ينطبق على المعدوم
بل أذهب إلى ابعد من ذلك، وأرى أن العارض يمر على النفس، أو الخاطر يخطر بالذهن، لا يضيع ولا يذهب سدى ولا ينعدم، وإنما هو دخان قد يكون بعدُ سديما، ثم قد يكون السديم كوكبا يلمع أو نجما يتألق، وقد يكون على العكس من ذلك صاعقة تحرق، أو وميضاً خلباً يبرق، وعلى الحالين فسيكون مولوداً جديداً، شقياً أو سعيداً، أليس كثيراً مما يعترينا من حزن يسبب الكسل والخمول والملل، أو فرح يدعو إلى العمل، سببه طائف مجهول طاف