للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الصفحة العشرين بعد المائة:

(. . . كان الخديو حريصاً على استبقاء الأزهر في قبضته لإطلاق يديه في اختيار القضاة الشرعيين والإشراف على المجالس الحسبية وما يعهد إليها من محاسبة الأوصياء على التركات والنظار على الأوقاف، ولكنه كان يعارض في إصلاح الأزهر وتمكينه من إعداد القضاة والمعلمين والمحامين على الوجه المطلوب. وقد تعب الشيخ عبده في علاج هذا الإصلاح العسير حتى نفض يديه آخر الأمر واضطر إلى اعتزال منصبه في مجلس الأزهر الأعلى. فلما تصدى سعد لهذه المعضلة العصيبة هاجمته الأغراض والسعايات والعراقيل من كل جانب، فعزم عزمته ونكب عن ذكر العواقب جانباً كعادته حين يتصدى لأمر هو على يقين من صلاحه من وجه الحق فيه، وجاء إلى مجلس الوزراء وهو معول على أمر من أمرين: إما مدرسة القضاء، وإما الاستقالة وهو غير آسف

(قال سعد في بعض أحاديثه عما جرى في تلك الجلسة بينه وبين الخديو: إن الأقاويل اختلفت في المناقشة التي دارت بيني وبين الخديو في ذلك اليوم. فقال أناس: إنني ضربت على المنضدة بيدي وقلت في وجه الخديو: دعني أدافع عن مشروعي! وأن الخديو أجابني حينذاك ساخراً: يظهر أن الباشا لم ينس بعد صناعته القديمة. . . يعني المحاماة، وقال أناس غير ذلك ما يجري مجراه، والصحيح أنني لم أضرب على المنضدة بيدي ولم يعرض الخديو بسابق عملي في المحاماة، وإنما شاهدت في سموه ميلاً ظاهراً إلى رفض المشروع بعد ما شجعني على المضي فيه، ورأيته يأبى على المناقشة والشرح أمام زملائي الوزراء. . .

(قال رحمه الله بفكاهته المعهودة: وكنت قد انتقلت من القضاء إلى الوزارة (بعبلى) فدأبت على الشرح والاستدلال وقلت: أنني أفهم أن المناقشة حرة، وأود أن أعرف المانع من تنفيذ المشروع. ولا أدري أن هذا الكلام يغضب الخديو وينقل وقعة على سمعه. فأحمر وجهه كلون طربوشه، وسمع من أصحابنا الوزراء مني هذه اللهجة فأيقنوا أنني لا أقدم عليها إلا وأنا مؤيد بقوة خفية، ووهموا أن لورد كرومر يريد إنشاء المدرسة على الرغم من جميع العقبات، فأجازوا المشروع بالإجماع وبقى الخديو وحده معارضاً فيه! والحقيقة أن لورد كرومر لم يفاتحني في المسألة إلا بعد أن سمع بما دار بيني وبين الخديو من المستشار

<<  <  ج:
ص:  >  >>