هذه رواية سعد كما سمعناها منه، وثبت لنا مرة أخرى أن أصلح الإشاعات للرواج هي أولاها بحذر المؤرخين
من الذين علموا بتصحيح هذه الإشاعة فيما أذكر كاتب سعد وملازمه في وزارتي المعارف والحقانية فؤاد كمال بك رحمه الله، ولعله أشار إلى ذلك في مذكراته
وقرأت في مقال الدكتور محمد حسين هيكل باشا وزير المعارف (أن سعداً وهو في وزارة المعارف قد أضطر في بعض الظروف لمصانعة السياسة التي كانت متحكمة في ذلك الوقت، ومن ذلك ما كان من رأيه الذي دافع عنه خاصاً بالتعليم باللغة العربية، ولكنه في هذا إنما جرى على المثل المأثور: لا تكن صلباً فتكسر ولا ليناً فتصهر)
والذي نعلمه أن سعداً لم ينكر أن التعليم باللغة العربية واجب مطلوب، ولكنه كان يرى أن التعليم باللغة العربية لا يتم ولا يعم قبل تحضير كتبه وإعداد مدرسيه، وهذا رأي متفق عليه لا ضرورة فيه لمصانعة الأقوياء أو لاجتناب الصلابة، وفي وسعنا أن نقول إن قوة الاحتلال كانت تصانع سعداً أضعاف ما كان يصانعها، وكانت تحتمل منه أضعاف ما كان يحتمل منها، وهذا غاية ما يطلب من وزير مصري لم يؤيده في ذلك الوقت برلمان ولم يكن الخديو من الراغبين في بقاءه، ولا سند له إلا ما وقر في نفسه من القوة والصلابة الشكيمة
وقرأت من مقال مكرم عبيد باشا (. . . إن سعداً العظيم كان كسعد الرجل، إذا ما أحس إحساساً فلا توسط في حساسيته المرهفة. إذا ما بكى أو ضحك تشاركه عيناه بالدمع المنسجم - يبكي فيتطاير الدمع كالشرر المستمر، ويضحك فيتساقط الدمع كالماء المنهمر. . . ولا يهولنك أن يبكي سعد العظيم أو سعد الرجل فلعل أجمل آية في الإنجيل هي تلك الآية الحلوة القصيرة: بكى يسوع)
والواقع أن البكاء كان (تعبيراً) قوياً في نفس سعد زغلول لا يدل على ضعف ولا استكانة، ولكنه لم يكن من الانطلاق والمعاودة بحيث يفهم من هذه العبارة. فعلى طول رؤيتي له لا أذكر أن عينيه فاضتا بالدمع الغزير غير مرتين، وأما تناثر الدمع من عينيه حين يطيل الضحك فأمر طبيعي في تركيب العيون يزيده في سعد أنه احتفظ - على خلاف كثير من