الشيوخ - بنعمة الضحك القلبي إلى ما قبل وفاته بأيام. وكان رحمه الله يجتنب البكاء ما استطاع ويشيح بنظره عن رؤية الضعفاء الباكين، وقلنا من الكتاب هذا المعنى:(إن هذا المناضل المكافح طوال الحياة لم يكن أبغض إليه من رؤية العنف ولا مشاهدة الحزن والمحزونين. ذهب بعد الإفراج عنه في جبل طارق ليشهد صراع الثيران على الأرض الإسبانية، فلم يطق ما رآه من تعذيب هذه الحيوانات وانصرف بعد فترة وجيزة وهو يتأفف من هذا اللعب الممقوت. وعرف عنه ذووه أنه لا يطيق أن يرى البكاء لأنه يؤذيه ويستبكيه فكان يقول لهم: لا تبكوا أحداً أمامي، وإذا مت فخذوا ثأركم مني ولا تبكوني. ومن عادته ألا يظهر أمام الناس في موقف يخشى فيه من جيشان نفسه وغلبة دموعه، ولهذا لم يستقبل أم المصريين على المرسى في جبل طارق واكتفى بأن ينتظرها في حجرة الاستقبال. . .)
فبكاء سعد في تعبيرات نفسه في أمثال تلك المواقف المعدودة، وكان مع هذا يجتنبها ما استطاع
وجاء في مقال صاحب العزة (فخري عبد النور بك): (ثم ركبنا البحر وعدنا أدراجنا إلى القاهرة، وكان الزعيم الخالد يبدي جلداً وصبراً، وكثيراً ما كان يردد هذا الشطر: لو بغير الماء حلقي شَرِقٌ. حتى وصلنا إلى بيت الأمة)
والذي أذكره أن سعداً رحمه الله تمثل بذلك الشطر وهو في حجرة مرضه بمسجد وصيف بعد أن روى لي أشياء عن أناس من أنصاره كتموا عنه أموراً كان يود لو يطلعوه عليها، وهذه المناسبة ظاهرة مني معنى الشطر المفهوم
وفي عدد الثقافة مثل على اتفاق الرواية إذا اتفقت الملاحظة الطبيعية كما يلحظها الرواة خالصة من الحواشي والأغراض فقد كتب الكاتب الأمين الأستاذ (كامل سليم بك) عن (حالة الزعيم النفسية) عقب مقتل السردار. فقال مما وعاه في مذكراته: (لقد مرت بسعد وهو زعيم أزمات حادة أقضت مضجعه. ولأذكر على سبيل المثال ما حدث له أيام وزارة زيور باشا التي أُلفت عقب مقتل السردار، فقد ساد البلاد جو خانق كجو الأحكام العرفية، وقبض على الأبرياء وزجوا في السجون لأتفه الشبهات، وفي طليعتهم الدكتور ماهر والأستاذ النقراشي، وكان سعد يحبهما ويثق بهما أخلص حب وأكمل ثقة، وحزن لسجنهما أشد الحزن وأخذ كثيرون من أنصاره ينفضون من حوله أو ينقطعون عن زيارته؛ فدخلت على