سعد يوم ٣٠ يوليه سنه ١٩٢٥ وهو في هذه الحالة النفسية التعسة ووجدته وحده في مكتبه الداخلي في بيت الأمة يطالع كتاباً؛ ولن أنسى ما حييت ما لاحظت عليه من الحزن الأسود والألم الأليم. سألني عن الحالة العامة فحدثته بما أعرف وتعمدت أن أضمن حديثي ما يدعو إلى الأمل والتفاؤل حتى أدخل على قلبه الكبير شيئاً من الطمأنينة والسكينة، فأبتسم ابتسامة فاترة كانت على الألم أدل منها على أي شيء آخر، وقال:(اسمع يا كامل! لقد ألم بالناس هزال شديد، وهو أشد لدى من كانوا أكثر الناس حماسة وأشدهم غيرة، ومن بقى معي منهم موجودون إما أحياء أو تورطاً وإما لعدم وجود وسيلة أخرى، وهي مصيبة ليس لها إلا ربك)
والواقع أنني لم أجد سعداً في حالة من الغم كالحالة التي وجدته عليها في تلك الفترة، ولاحظت ذلك في كتابة تاريخه فقلت:(ما أعرف وقتاً تسرب فيه السأم والتعب إلى بنيته وإلى نفسه كما كان يتسرب أحياناً خلال الفترة من مقتل السردار إلى عودة الحياة النيابية. . . وذات ليلة كان يسأل: ما الذي يبعث القوة في الشعب؟ وكنا ثلاثة على مائدته: محامياً معرفاً والأستاذ عبد القادر حمزة وكاتب هذه السطور، فقال المحامي وظن أنه يرضيه بما قال: يا باشا كلمة منك تبث فيه الحياة الفتية. وأسترسل في مثل هذا الكلام، فنظر إليه سعد هنيهة ثم قال: ما هذا؟ أتريد أن تخطب؟ أتريد أن تتحمس؟ طيب. . . تفضل أخطب وتحمس وانتظر من يسمع
وكانت نفسه برمة جداً بمن يعبثون بهذا الموضوع لأنه كان مهموماً به ولا يطيق الهزل فيه. بل كثيراً ما سمعته يتضجر في تلك الأيام من حب النكتة في الطبيعة المصرية ويقول: لولا أن المصريين يضحكون من زيور وغرائبه لما احتملوا هذا الزمن الطويل)
وبعد فأني أسجل هذه التعقيبات على ما قرأت في فصول الثقافة وفي اعتقادي أن إخواننا الذين احتفلوا بذكرى الزعيم العظيم يرحبون بما فيها من تصحيح لبعض الوقائع والأخبار، إذ كانوا ولا ريب إنما يقصدون إلى تمحيص الحقائق عن ذكراه.