كالأنعام أو أضل، وقال:(قل انظروا ماذا في السموات والأرض - أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء - قل سيروا في الأرض فانظروا) ولفت القرآن للناس إلى مظاهر الكون ودعاهم إلى التفكير فيها ليعرفوا أسرارها (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار، والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة، وتصريف الرياح، والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون) وكثير في القرآن مثل هذا، وما هذا النظر إلا وسيلة المعرفة، وهل أنتج معارف البشر إلا النظر في ملكوت السموات والأرض؟ ولقد أمر القرآن بالاستزادة من العلم فقال:(وقل ربي زدني علماً)
وأما العمل فهو المقصد الذي يقصد إليه القرآن من تعليم الأخلاق الفاضلة، فالقرآن كما تقدمنا لا يريد رهبانية ولا فراراً من الجهاد ولا خوراً ولا إشفاقاً من الاضطلاع بأعباء الحياة، وإنما يريد العمل والدأب والجهاد. أمر القرآن بالعمل وأشاد بذكر العاملين في آيات كثيرة، وبين أن تدافع الناس سبب لعمران الأرض، (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض) وبين أن الخير لا يدوم إلا بالدفاع عنه والاجتهاد في حمايته (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره)
ولم يقبل القرآن عذر الأذلاء الذين يعتذرون بالعجز عن العمل أو بتغلب الأقوياء عليهم، وصدهم إياهم عن الخير فقال:(الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم؟ قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا إليها؟). فهو يدعو إلى الهجرة حيث يستطيع الإنسان العمل (ومن هاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة)
ذلكم أجمال الكلام فيما يقصد إليه القرآن من تهذيب النفس وإصلاح الخلق والجهاد في الأرض. وهو الذي بينته أفعال الرسول وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، فقد خلق القرآن الجماعة الفاضلة، وخلقت الجماعة الدولة، وأيدت الدولة الحق والعدل، وسيطرت على الأمم تسموها بعدل الله طوعاً أو كرهاً. ولا تزال دعوة القرآن مسموعة، ولا يزال مثل الناس مضروباً، ولا يزال الأمل معقوداً بأن تحيي هذه الدعوة الأخلاقية الأمم مرة أخرى.