أما العقلية فلأنا إذا سلمنا برقة السجع لأنه الكلام المقفى، والتقفية نوع من الترديد الموسيقي الذي يخف به الكلام على السمع فالشعر أولى بالرقة من الكلام المسجوع لما في الشعر من الوزن والتقفية. فإذا جعلت السجع غير لائق في مقام التهديد والوعيد كان الشعر أولى بعدم اللياقة في هذا المقام. وهي نتيجة لا يثبتها الأدب العربي المملوء بشعر الحروب وأيام العرب.
وأيضاً فالحماس الذي يكون في مقام الفخر والتحدي هو نوع من الشدة شبيه بتلك الشدة التي تكون في حال التهديد والوعيد. وأنت جد عليم بما تحويه خطب الثورات السياسية التي تشعل نار الحمية، وتوقظ الغيرة الوطنية، من السجع والمزاوجة.
أما الأدلة النقلية ففي طليعتها كتاب الله الكريم وما يحويه من آيات التهديد والإنذار ذات السجع المعجز. كالآيات:(ويل للمطففين، الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفوهم، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون، ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون، ليوم عظيم. يوم يقوم الناس لرب العالمين) والآيات (كلا سوف تعلمون. ثم كلا سوف تعلمون. كلا لو تعلمون علم اليقين، لترون الجحيم، ثم لترونها عين اليقين. ثم لتسألن يومئذ عن النعيم). والقرآن مملوء بشبيه هذه الآيات. وقد ورد في كلام المتقدمين من الكتاب والخطباء كثير من العبارات المسجوعة في مقام الشدة والتهديد. مثال ذلك خطبة زياد بالبصرة حيث قال:
(إن الجهالة الجهلاء، والضلالة العمياء، والغي الموفى بأهله على النار، ما فيه سفهاؤكم، ويشتمل عليه حلماؤكم).
وقد كتب سيدنا علي إلى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما في مقام التحذير والتهديد فقال: (إنك إذ تحاولني الأمور وتراجعني السطور، كالمستثقل النائم تكذبه أحلامه، والمتحير القائم يبهظه مقامه، لا يدري أله ما يأتي أم عليه، ولست به غير أنه بك شبيه.
ويقول الحجاج بن يوسف في خطبته لأهل العراق: (ألستم أصحابي بالأهواز حيث رمتم المكر، وسعيتم بالغدر، واستجمعتم للكفر. ثم يوم الزاوية وما يوم الزاوية؟ بها كان فشلكم وتنازعكم وتخاذلكم وبراءة الله منكم، ونكوص وليكم عليكم، إذ وليتم كالإبل الشوارد إلى أوطانها، النوازع إلى أعطانها، لا يسأل المرء عن أخيه، ولا يلوي الشيخ على بنيه، حتى عضكم السلاح، وقعصتكم الرماح. ثم يوم دير الجماجم، وما يوم دير الجماجم، بها كانت