بجوار النافذة تناضل الأرق دون جدوى. رفعت الكونتس رأسها حين سمعت حركة خلفها فرأت رجلاً منتصباً أمامها. . وما لبث هرمان أن قال:(لا تنزعجي يا سيدتي بحق السماء. إني لا أود لك ضرراً وإنما جئت أنشد منك مطلباً هيناً).
نظرت إليه المرأة العجوز وهي صامتة كأنها لا تعي، فأعاد قوله بصوت عال إذ ظنها صماء. ولكنها لم تتحرك فاستطرد يقول:(إنك تملكين أن تسعديني طوال حياتي دون أن يكلفك الأمر شيئاً سوى ثلاث ورقات).
وهنا فهمت الكونتس كل شيء فأجابت على الفور:(أوه. إنها مزحة. . . أقسم لك على ذلك). ولكن صوت هرمان قاطعها بقوله:(كلا يا سيدتي، ألا تذكرين الرجل الذي أعطيتها له فضاعف ثروته).
بدا الاضطراب على وجهها. ولكن هرمان عاود القول:(هلا ذكرت لي ذاك السر. . . لِمَ تحفظينه لأحفادك؟ إنهم في غنى عن مزيد من المال. . . أما أنا فلن تأسفين على إسعادي لأني كفيل بالإنفاق على خير الوجوه. . . هيا بربك تكلمي. . . أفصحي!)
وقف ينتظر الرد وقد عيل صبره، ولما لم تجب انحنى متوسلاً وهو يقول:(ألا تعرفين الرحمة والحب. . . إذا كنت تذكرينهما فإني أستحلفك باسم الأبوة والأمومة وبكل ما تقدسين ألا تخيبي أملي. . . اذكري أنك كبيرة السن وأن أبنائي وأحفادي سيباركون ذكراك).
ولكن الكونتس لم تجب، وحينئذ نهض هرمان واقفاً وسدد غدارة نحوها ثم أردف:(إذا سأضطرك إلى الكلام).
أشتد اضطراب المرأة فاهتز رأسها بقوة، ومدت يديها كأنها تبغي أن تبعد شراً يوشك أن ينقض عليها، ثم تراجعت إلى الوراء بلا حراك.
(هيا لا تكوني كالأطفال. . . إني أمهلك آخر مرة. . . ما هي الورقات الثلاث؟. . .)
ولما لم يسمع رداً أو حركة أمسك هرمان يدها فوجدها قد فارقت الحياة حاملة سرها معها.
- ٤ -
حينما دخلت ليزابيتا إلى حجرتها سرها أن لم تجد فيها صديقها الضابط، إذ أن شعوراً من الندم غمرها فأخذت تلوم نفسها على تسرعها في استدعائه. وبينما هي سابحة في بحار