ثم قذفت بالرسالة من النافذة فالتقطها الضابط وما أن أتم قراءتها حتى شاع البِشر في قسمات وجهه فبدأ قانعاً بأولى خطوات مغامرته. . .
مضت أيام وأسابيع كان هرمان خلالها يتوسل بمختلف الطرق لإيصال رسائله لمحبوبته. . . كان يكتب تلك الرسائل بعبارات أخاذة لم تستطيع الفتاة مقاومة إغرائها فاضطرت للرد عليها ومبادلة الشاب وداً بود؛ وكان الرد يطول يوماً بعد يوم إلى أن أحتوى ذات يوم هذه الكلمات:
(سيقام مرقص الليلة في دار السفارة وستحضره الكونتس فتمكث هناك حتى الثانية صباحاً، فعليك - إذا أردت مقابلتي - أن تقبع في مكانك حتى تطفئ الأنوار في الساعة الحادية عشرة وإذ ذاك وجه خطواتك نحو باب القصر وادخله بلا تردد لأن الحارس سيكون غارقاً في غطيطه؛ ثم ارتق الدرج بسرعة حتى غرفة الكونتس حيث تجد خلف الأستار بابين يقود الأيمن منهما إلى حجرتي وانتظرني هناك. . .)
وحوالي الساعة العاشرة من ذاك المساء كان هرمان واقفاً أمام القصر ينتظر. . . كانت الليلة رهيبة، والريح تعصف بشدة، والثلج يتساقط بفيض زاخر بينما انبعثت من المصابيح نور خافت، فخلا الطريق من المارة وعم السكون. . مرت لحظات سمع بعدها صوت عجلات العربة يردده الفضاء وهي تبتعد بالكونتس ووصيفتها في طريقهما إلى المرقص. ثم كرت الدقائق وأطفأت الأنوار، فانتظر هرمان بعض الوقت، ومن ثم يمم شطر القصر فعبر بابه وصعد السلم بخفة النمر حتى وصل إلى غرفة الكونتس حيث رأى على ضوء مصباح صغير قطع الأثاث الفاخر منثرة في أرجائها وبضع صور زيتية تزين جدرانها فوقف يتأملها في صمت وسكون وما لبث أن عبر الغرفة إلى الممر الذي تقع في نهايته غرفة الفتاة فولجها وأقفل خلفه الباب فعمها الظلام. . . وجلس ينتظر.
مر الوقت بطيئاً وكان الهدوء ناشراً ظله على القصر ثم دقت الساعة اثنتي عشر دقة وعاد السكون الذي لم يعكره سوى ضربات قلب الشاب تطرق أذنيه. . . وبعد وقت سمع دقة واحدة. . . ثم دقتين. ولم تمض لحظات حتى عادت العربة ترسل صوتها فيشتد خفقان قلبه ويزداد اضطرابه. ولما شعر بخطوات على السلم ركز بصره في ثقب الباب فرأى الكونتس تخلع ملابسها وترفع عن رأسها إكليل الورد والشعر المستعار ثم تجلس إلى مقعد