القلق ففارقه النعاس، ولكنه حين قهره بعد طول عناء أخذت الأشباح تتراقص أمام عينيه. . . رأى المائدة الخضراء تعلوها النقد وأكوام من (الروبلات). . . ورأى نفسه جالساً إليها وقد غمره فيض من الربح زخرت به جيوبه ثم استيقظ متنهداً فإذا كنوزه ليست إلا ثمرة كابوس مضطرب.
خرج إلى الطريق ليزيح تلك الخيالات التي أقضت مضجعه، ولكنه وجد قدميه تقودانه ناحية القصر. . . كان يبدو أن قوة خارقة قد اجتذبته إلى هناك، فوقف يتطلع إلى النافذة وما لبث أن رأى فتاة يزين رأسها شعر أسود متهدل قد أكبت على كتاب تقرؤه أو حرير تطرزه. . . وتحركت الفتاة تجاهه فأخذت عيناه وجهاً جميلاً وعينين نجلاوين يشع منهما بريق خاطف
. . . وفي تلك اللحظة تحدد مصيره وكتب القدر نهايته.
- ٣ -
كانت ليزابيتا قد أنهت عملها حين نادتها الكونتس لتؤنس وحدتها في نزهة قصيرة، وبينما كانت تساعد سيدتها على ارتقاء العربة رأت الفتاة ذاك الضابط. . . رأته بجانبها يدس ورقة بين يديها فأخفتها بين طيات قفازها وبدأت تفكر، فلم تر أو تع شيئاً مما مر حولها. وزادتها حيرة وارتباكا أسئلة الكونتس المتوالية التي اكتفت في الرد عليها بأجوبة مقتضبة مما دعا سيدتها إلى القول:
(ماذا بك اليوم؟ فيم تفكرين؟ ألا تسمعينني؟. . . إنني لا زلت أتكلم بوضوح. أليس كذلك؟)
. . . ومرة أخرى لم تصغ ليزابيتا إلى كلامها، وحين عادت إلى حجرتها أقفلت بابها وشرعت تقرأ في الورقة المطوية أرق عبارات الحب التي صيغت في قالب عاطفي، فتملكها شعور من الفرح. . . ولكنها وقفت بعد حين تحدق في الفضاء. لقد كانت هذه أول مرة يحس فيها أحد بوجودها بل ويظل ساعات طويلة في انتظار ابتسامة عذبة يفتر عنها ثغرها، أو نظرة تتجلى بها عيناها. . . فكيف لا ترتبك. . . وأخيراً وبعد لأي كتبت له هذه الكلمات بيد مرتعشة:(أؤمل أن تكون نواياك طيبة نبيلة. . . وإنما يجدر بك أن تعرف أن علاقتنا لا يمكن أن تبدأ عن هذا الطريق. وهاأنا ذي أعيد إليك خطابك راجية ألا تلجئني للندم على تسرعي).