نون عميق لم يصح منه إلا والليل يغمر الكون فلا يبدد ظلمته سوى نور القمر المنبعث من النافذة. . . ولم يكد يغسل الكرى عن عينيه حتى أعتدل جالساً ومكث بعض الوقت على تلك الحال، وما لبث أن سمع خطوات شخص يمر بنافذته ويتطلع إلى داخل الغرفة ثم يواصل سيره. . . لم يلحظ الأمر في البداية باهتمام ولكنه أرتعد حين سمع باب منزله يفتح، والممر يردد صوت تلك الخطوات، وأوشكت صرخة أن تفلت منه حين رأى امرأة في ملابس بيضاء منتصبة أمامه. . . عرف فيها الكونتس أنّا فازداد اضطرابه وازداد لعابه بصعوبة إذ سمعها تقول:(لقد جئتك رغم إرادتي لأشكر لك احترامك لذكراي ولأكافئك بذكر الوريقات الرابحة، إنها الثلاثة والسبعة والآس. ولكن أحذر أن تعاود اللعب بعد أن تجمع لنفسك ثروة معقولة. وإذا تزوجت وصيفتي ليزابيتا غفرت لك كل ما بدر منك).
نطقت بهذه الكلمات بين دهشته وذهوله، ثم خرجت من حيث أتت وردد الطريق وقع أقدامها. . .
لبث هرمان مشدوهاً بعض الوقت، ثم اجتاز الغرفة وأيقظ خادمه ولكنه عبثاً حاول أن يعرف منه شيئاً عن الأمر؛ فقد كان هذا مستغرقاً في النوم لحظة أن دخلت الكونتس.
لم يغمض للرجل جفن طوال تلك الليلة، إذ أخذت الأفكار تطارده والأحلام تذكره بالثلاثة والسبعة والآس؛ فحصر مخيلته في البحث عن مكان للمقامرة، وحين علم بنبأ عزم فريق من الأثرياء على الالتفاف حول مائدة القمار بأحد الأندية يمم شطره وريح الأمل تدوي بين جنبيه، وهناك وجد عليه القوم وكبار الضباط يلعبون.
وجلس هرمان يشاركهم، وما لبث حين مر به الدور أن أخذ ورقة وراهن عليها بمبلغ ٤٧ ألف روبل فتركزت حوله الأبصار وأخذ الجميع يتطلعون إليه ثم قال تلروموف وهو يغمغم (لقد فقد الرجل عقله) وتلاه أحد اللاعبين بقوله: (أتسمح لي يا سيدي أن أحذرك مغبة المراهنة على مثل هذا المبلغ الجسيم. . . إنها مغامرة مميتة فنحن لا نراهن عادة على أكثر من مائتي روبل).
ولكن هرمان قال في إصرار:(إني أعلم ذلك فهل تقبلون لعبي أم لا؟) وإذ ذاك قال صاحب النادي: (لا بأس فقد أردنا تنبيهك فقط)