حقيقية لوجب القول بأن الأخلاق ليست إلا كلاماً في كلام، وأن الشهرة والجاهُ ينالان بالتحكم والسيطرة كما تُنال بعض الثروات بالغش والتدليس، وذلك قولٌ مردود. والذي يقف في التعرف إلى شخصيات العظماء عند ظواهر الهنوات محكومٌ عليه بالخذلان، لأن العظماء لهم قوىً خُلقية لا يفطن إليها عوام الناس، وتلك القُوى الخفية هي السرّ في نجاح أولئك العظماء، وهي ليست قُوىً عادية من التي يتمدح بمثلها من لا يملكون من المواهب غير الاستقامة وضبط النفس في حدود المبتذل من الشهوات، وإنما هي قوىً عارمة تمكِّن أصحابها من الجهاد بأمن وعافية في مكافحة الضغائن والحقود، والشدائد والخطوب.
وأذكر في هذا المقام ثورة بعض الناس على السيد جمال الدين الأفغاني وقد عابوا عليه أن يجلس في القهوات يوم كان ذلك من العيوب، فأولئك القوم لم يكونوا يرون قوة الخُلُق في غير البعد عن مواطن الشبهات، وفاتهم أن الجلوس على القهوة بالرغم من استهجانه في ذلك الوقت لم يكن في نظر السيد جمال الدين الأفغاني إلا حسنة من الحسنات، لأنه كان فرصة لدرس أحوال الجمهور والوقوف على ما اختلف وائتلف من نوازع الناس.
وأين الجلوس على القهوة من الشمائل الحقيقية لجمال الدين الأفغاني؟ وهل عرف المتألبون عليه لذلك السبب الحقير كيف استطاع بقوته الذاتية أن يكون حديث الوزراء والملوك في الشرق والغرب؟ وكيف استطاع بعظمته الروحية أن يتغلب على مصاعب الفقر والاغتراب؟ وكيف فرض عليه روحه العظيم أن يرفض معونة رفيقيه العظيمين محمد عبده وسعد زغلول وهو خارج خروج الطريد من الديار المصرية؟؟؟
وأذكر أيضاً شيخ الشيوخ محمد عبده فقد ألحّ حاقدوه في اتهامه بترك الصلاة ليجوز لهم الرجم بأنه لا يصلح لتولي الإفتاء، ولو فطن الجمهور إلى أن قالة السوء هي التي منعت الشيخ محمد عبده من الصلاة في العلانية لأدركوا أنه كان يخشى الوقوع في هُوّة الرياء، ولعله كان يريد أن يعرف كيف ينصره علام الغيوب على من يغتابونه ظالمين.
ومن هم أعداء محمد عبده؟ هل كانوا حقيقة من أحلاس المساجد؟ وهل كانوا غاية في الحرص على الصلاة والزكاة والصيام والقيام؟ إنما كانوا طلاب صيد، وكانوا بتجريحه يتقربون إلى إحدى الجهات، فحل عليهم غضب الله، ولم يبق لهم من الغنيمة إلا الإشارة من وقت إلى وقت بأنهم قالوا في ذلك الإمام كيت وكيت. وبعض الناس ينحصر مجده في