ولو سلَّمنا جدلاً بأن الشيخ محمد عبده كان تارك الصلاة - ورحمة الله على العهد الذي كان فيه ترك الصلاة من العيوب، فقد خفتُ أن تصبح فريضة الصلاة من المجهولات عند أبناء هذا الجيل - لو سلمنا بذلك لكان الأمر عجباً كل العجب، لأن الشيخ محمد عبده كان يملك من القدرة على أهواء النفس ما يمكنه من أن يجود بثلاثة أرباع مرتبه على المعوزين والبائسين من الذين يمنعهم الحياء من إعلان الاحتياج، ولولا شهامة الشاعر عبد المحسن الكاظمي لما تعرضت مكارم الشيخ محمد عبده إلى الافتضاح، فكيف يجوز لرجل يُذلّ ماله هذا الإذلال أن يضعف عن أداء الصلاة وهي من وسائل المرائين في كسب ثقة الجماهير، إلا أن تكون صلته بربه أعظم من أن تحتاج إلى إعلان؟
لقد كان المصلون من الأزهريين يعدون بالألوف في عصر الشيخ محمد عبده، ومع ذلك لم نسمع بأنهم تنازلوا عن شيء من أرغفتهم في مواساة المحتاجين، وإنما سمعنا أن الشيخ محمد عبده مات فقيراً وأن منافسيه ماتوا وهم أغنياء.
وهل فكر أحد في القيمة الصحيحة لرجل يتغلب على الجدب والإمحال في الحياة الأزهرية لعهد مضى عليه أكثر من نصف قرن فيكون الفيصل بين الهمجية والمدنية، ويكون صلة الوصل بين القديم والحديث، ويفسِّر جزأين من القرآن وهو في رياض سويسرا حيث يطيب لسواه أن يأنس بحياة اللهو والفتون؟
هل فكر أحد كيف جاز أن يسيطر محمد عبده على تلاميذه تلك السيطرة العاتية، فيقضي السيد رشيد رضا عمره في شرح آرائه العلمية، وينفق الشيخ مصطفى عبد الرزاق أطيب أوقاته في توضيح مذاهبه الاجتماعية، ويتأثر الشيخ محمد المراغي خطواته في الإصلاح الديني وفي سائر الشؤون حتى صار من العجب أن يكون خط الشيخ المراغي صورة من خط الشيخ محمد عبده مع صعوبة التشابه في الخطوط؟. . . كيف أمكن ذلك أيها الناس؟
ألا يكون ذلك دليلاً على أن الشيخ محمد عبده كان يعيش في حماية حصانة خُلقية لم يدرك أسرارها المتألبون عليه من الزملاء الأغبياء؟
وقد أشرت في الطبعة الثانية من كتاب (عبقرية الشريف الرضي) إلى ما صنع الشيخ المراغي مع علماء الأزهر الشريف، فقد شاع أن الشيخ المراغي نسى علوم الأزهر لبعد