للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أما طالب العلم فلا يملك هذا الحق، لأن الأمة تفرض عليه أن يكون مضرب المثل في الحرص على الفهم والاجتهاد والتحصيل، وهي لن ترضى منه بالقيمة الصغيرة في مغانمه العلمية، لأن مصر في هذا العهد لم يبق فيها مكان لغير المتفوقين، ولكن أين من يفهم هذه الحقيقة من أبناء هذا الجيل؟

لقد كثرت الشكاية من وقف صفحات الجرائد والمجلات على طائفة معروفة من الباحثين، وكثر تضجر الشباب من طغيان الكهول. وهذا حق، ولكنه سُنّةٌ طبيعية، والأحمق هو الذي يطمع في تبديل نواميس الوجود بالتوسل والرجاء.

وأنا أكشف الستار عن بعض الدسائس الأدبية فأقول:

في مصر اليوم إصرار عنيف على الاستبداد بمغانم الحياة الفكرية، وأولئك المستبدون يصلون النهار بالليل في تزويد عقولهم وإفهامهم بما يجدّ في عالم الآداب والفنون، ولا يمكن زحزحة هؤلاء المستبدين بالتشكي والتوجع، وإنما يزحزحون بمناكب أضخم من مناكبهم، وتلك المناكب هي العقول العاتية التي تأنف من الاكتفاء بالزاد القليل، وترى القناعة من صور الفناء، وقد علَّل أحد الشبان نفسه فقال: سيأتي يوم يموت فيه هؤلاء الكهول ويخلو الميدان.

وهذا أيضاً حق، ولكن خيبة مصر في أبنائها ستكون فظيعة حين يصح أن موت المتفوقين هو الفرصة لتقدم المتخلفين.

إن مصر تنتظر شباناً أقوياء لا يطيف بأذهانهم مثل ذلك الخيال السقيم. مصر تنتظر شباناً يعيشون عيش التبتل والتنسك والاعتكاف في زوايا المدارس والمكاتب. مصر تنتظر شباناً لا يعرفون من أدوات الزينة غير القلم والكتاب. مصر تنتظر شباناً يؤمنون بأن المجد الأدبي لا ينال بالتشهي والتمني، وإنما ينال بالصبر على أقذاء العيون تحت أضواء المصابيح.

زكي مبارك

<<  <  ج:
ص:  >  >>