إن الأستاذ علي محمود طه رجل فنان بلا شك، لأنه قال (الجندول) فكان (كذوباً). إنه يمثل ذلك الفنان الذي يشعر بالشيء ولا يستطيعه فيتغنى به. هو نفسه يعلم أنه لم يركب تلك (الجندول) التي أرانا إياها في عرض القناة في ذلك الجو السحري في (فينسيا)، ويعلم أنه إن كان رأى تلك السمات الشرقية والشعور الذهبية، فهو لم يذق شيئاً منها، ولم يقل لأحد (خذ) ولا أحد قال له (هات).
هكذا نرى شاعرنا واحداً من أصحاب (بولان) الفنانين الكذابين الذين يصفهم في كتابه (كذب الفن) ' وعلى هذا الأساس يمكن أن ننظر في أشعاره إذا أردنا أن ننقده ونبين قيمته كفنان.
أما صاحبنا الدكتور، فبيننا وبينه حساب قد يكون عليه عسيراً، إذا لم ير حبنا وانعطافنا، وبالتالي صدقنا؛ وقد يراه يسيراً، بل ولطيفاً، إذا هو أدرك سعينا للحق الممكن، وكان ممن تهفو فطرهم السليمة إلى جمال هذا الحق، وهو من أولئك فيما يخيل إلينا.
وعلى أي حال، فالطريق الصحيح عندنا هو أن نسأل: ما قيمة مسرحية (مفرق الطريق) من الناحية الفنية؟
إن الدكتور بشر يقدمها إلينا بصورة صادرة عن (نفسه) ويقدم لها، فيذكر أنه عمد في تأليفها إلى أسلوب الرمزيين في الفن، ثم يحاول أن يضمِّن تقديمه تفسيراً لمذهب هؤلاء الرمزيين، فهل بلغ في هذا غاية تستدعي الرضا؟!
لقد ندعي أنه لم يبلغ غاية يمكن الوقوف عندها، بل يبدو لنا أنه أراد أن يفسر الرموز الفنية فطمسها، وأراد أن يطبق ما (تعلمه) منها فجاءت مسرحيته شيئاً مصنوعاً وناقصاً معاً. أنظر يا دكتور؟
ألست تحدثنا في تقديمك عن (استنباط ما وراء الحس من المحسوس وإبراز المضمر وتدوين اللوامع والبواده بإهمال العالم المتناسق المتواضع عليه المختلق اختلاقاً بكد أذهاننا طلباً للعالم الحقيقي. . . عالم الوجدان المشرق)؟! ألست تحدثنا بهذا النزوع الصوفي ناسياً الفرق بين الرمزية الصوفية التي تفيض عن المخيلة والشعور والرمزية الفنية التي تعتمد على المخيلة مضافاً إليها عنصر عقلي كما يقول (ريبو) في كتابه '