أولم تحدثنا يا دكتور بشيء لا شعوري يطويه الإنسان (في المكان القصيّ من سريرته. . . لا يفصّل ولا يعلل ولكنه يعرض خطفاً. فكأن المنشئ يتوجس كيف تجاوب نفسه جرس الأشياء الخارجية من دون أن يتحمل ترتيبها ولا تأويلها فتعدل عن البسط والتبيين إلى إثبات البرق الذي التوى في السحاب. . .) نقول ألم تحدثنا بهذا أيضاً، مع أنه وصف للتخيل الصوفي الذي يؤلف بين الصور الباطنة المبهجة ويستخرج منها رموزاً يستعملها كما هي، بعكس الرمز في الفن الذي يحصل من تحليل الصور والحركات والألوان؟!
ثم ما رأيك في أن (ريبو) يقصد بالرموز في الفن: (أن يفقد بعض الألفاظ استعماله المعقول المعروف ليدل على معنى جديد) بينما أنت تقرر في توطئتك أنه بعيد أن يكون الرمز لوناً من التشبيه أو الكناية إلى غير ذلك؟ ما رأيك في هذا، وعلى الأخص، بعد أن خالفت أنت نفسك، فأشعت الكثير من هذه الرموز في مسرحيتك، كقول سميرة (مثلك يحرق ولا يدفئ) وكقولها (بيني وبين الدفء رائحة حريق)؟!
الحق أنه ليس يلزم أن يعرف الأديب فلسفة الفن لكي ينفحنا آثاراً جميلة، بل نحن لا نعرف من الفنانين من كان يعرف هذه الفلسفة غير قليلين من أمثال (تولستوي)، ولهذا نغفر للأستاذ بشر تلك الكبائر التي ساقها في مقدمة مسرحيته، لأننا لم نعرفه فيلسوفاً وإنما عرفناه أديباً.
وإذن فكيف تجد (مفرق الطريق)؟ ما قيمتها الفنية كقطعة رمزية؟
إن (ريبو) فيلسوفنا نفسه، يقرر أن الرمزية في الفن (تستخف بتمثيل العالم الخارجي تمثيلاً صادقاً. . . فإذا الناس والأشياء تمر دون أن تنطبع بزمان أو مكان، ولكنها تمضي وما ندري أين حصلت ولا متى، فلا هي تمت بصلة لأي بلد، ولا هي تمثل عصراً بذاته. . . وقد تمعن في الإبهام فتقول: هو - أو - هي - أو - أحدهم). هذا ما يقرره (ريبو) فهل هو مستوفي في مسرحية بشر؟
(مفرق الطريق) تجري حوادثها في مصر، في أحد شوارعها (أمام صفّ من المنازل المنخفضة على شكل المنازل التي تصاب الآن في الأحياء القديمة). والمؤلف مع أنه يستغرق في الرمزية بتسمية (الأبله) و (هو) إلا أنه لا يلبث أن يضيع هذا التأثير باستعمال اسم (سميرة). وما كان عليه لو سماها (هي) رمزاً كصاحبيها وإبهاماً؟!