للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

سفيان في ثلاثة آلاف مقاتل يريد غزو المدينة، فسمع النبي بقدومه، فاستشار أصحابه، فأشار عليه عبد الله بن أبي - وكان رأساً في الأنصار إلا أنه كان يضمر نفاقاً - أن يبقى بالمدينة، وقال له: ما خرجنا على عدو قط إلا أصاب منا وما دخلوا علينا إلا أصبنا منهم. وكان رأي النبي البقاء، لكن قوماً ممن لم يشهدوا بدراً ودُّوا الخروج لينالوا شرفاً مثل شرف الذين شهدوا بدراً. فنزل النبي عند رأيهم ودخل بيته ولبس لامته. فندم هؤلاء على إلحاحهم، وقالوا النبي: إن شئت خرجنا وإن شئت بقينا. فقال: ما كان لنبي لبس لامته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوّه. وخرج جيش المسلمين، وعلى مقربة من أحد أنخذل ابن أبي بثلث الناس ورجع إلى المدينة، وقال: علام نقتل أنفسنا وأولادنا؟ وهمَّ بنو سلمة من الخروج وبنو حارثة من الأوس أن يفشلوا كذلك تقليداً للعمل السيئ الذين قام به ابن أبي، ولكن الله عصمهم وقال فيهم: إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون. والتقى الجمعان بأحد، ودارت الدائرة على قريش أولاً. فلما شغل المؤمنون بجمع الغنائم، وخالف بعض الرماة أمر النبي، وتركوا مكانهم الذي وقفهم فيه، انكشف ظهر المسلمين للعدوّ، وكان على فرسان المشركين خالد بن الوليد، فأتى بفرسانه، وأعمل السيف في رقاب المؤمنين، فاختلط أمرهم، وفر كثير منهم، وثبت النبي وصفوة أصحابه، ونادى في المنهزمين: إلى عباد الله! فعادوا وكشفوا عنه جيش المشركين، ثم تحاجز الفريقان، بعد أن قتل من المسلمين سبعون، منهم سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب.

كان في الجيش قوم من المنافقين لم ينخذلوا مع ابن أبي، فلما رأوا ما حل بالمسلمين ظنوا بالله الظنون، وقالوا: لو كان لنا من الأمر شيء ما قُتلنا ههنا، قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم. أما الذين لم يشهدوا الحرب، فقد شمتوا بالمؤمنين، وظنوا أن الهزيمة كانت بسبب مخالفة المؤمنين لرأي ابن أبي، وهم الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا، لو أطاعونا ما قتلوا، قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين. ثم بيّن الله أن سبب الهزيمة هو إرادته أن يميز الخبيث من الطيب، وليعلم المؤمنين، وليعلم الذين نافقوا. ونهى الله المؤمنين عن اتخاذهم بطانة، وحذرهم أمرهم فقال: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم، لا يألونكم خبالاً، ودوا ما عنتُّم، قد بدت البغضاء من أفواههم، وما

<<  <  ج:
ص:  >  >>