تخفي صدورهم أكبر، قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون.
ولما أخرج الرسول يهود بني النضير من المدينة لم تهدأ لهؤلاء ثائرة حتى جمعوا الأحزاب من قريش ومن أطاعها من الأحابيش، ومعهم أسد وغطفان، وساروا إلى المدينة في عشرة آلاف مقاتل يريدون استئصال المؤمنين ودينهم. واستطاع اليهود أن يضموا إلى جانب الأحزاب بني قريظة ويجعلوهم ينقضون عهدهم للنبي، واتقى النبي الأحزاب بالخندق الذي حفره ليحجز الغزاة الفاتحين. أما بنو قريظة فقد حفظ الله المؤمنين من شرهم على الرغم من شدة خطرهم في ذلك الوقت، وأما المنافقون الذين ظنوا أن هزيمة يوم أحد كانت لخروجهم من المدينة إلى عدوهم، فقد قالوا هم والذين في قلوبهم مرض يوم الأحزاب:(ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً) وحاولوا أن يصدوا المدافعين ويضعفوا إيمانهم بالنصر لأن العدو كثير العدد، واعتذروا عن الدفاع، وأستأذن بعضهم النبي في الانسحاب إلى بيوتهم، وفي ذلك يقول الله تعالى:(وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا، ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فراراً، ولو دخلت عليهم من أقطارها، ثم سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيراً. ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار، وكان عهد الله مسئولاً. قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل، وإذا لا تمنعون إلا قليلاً. قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءاً أو أراد بكم رحمة، ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً. قد يعلم الله المعوَّقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا، ولا يأتون البأس إلا قليلا). أولئك هم المنافقون الجبناء الذين كانوا يحاولون إضعاف جيش المؤمنين، وتثبيط الجند عن الدفاع والاعتذار بأعذار واهية كاذبة. وهم الذين يقول الله فيهم بعد:(فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يُغشى عليه من الموت، فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنةٍ حداد) من أجل طمعهم في الغنائم بما لا يتفق مع جبنهم وقعودهم وتثبيطهم غيرهم (أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيراً).
وكان هناك المرجفون في المدينة يؤلفون أخبار السوء عن سرايا رسول الله، فيقولون هزموا وقتلوا وجرى عليهم كيت وكيت، فأي خطر أشد من هذا؟ أليس ذلك قتلاً للروح المعنوية وتنفيراً للناس من الجهاد، وقضَّاً للمستضعفين من حول النبي؟ من أجل هذا هددهم