الله وخوفهم، وقال لرسوله الكريم:(لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض، والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً، ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً).
فهل انتهى المنافقون بعد هذا التخويف؟ وهل انتهى الذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة؟ سنرى من موقفهم في تبوك أنهم لم ينتهوا. وإن كثيراً منهم أخلفوا الله ما وعدوه. وزادهم حلم النبي الكريم ومعاملته لهم على حسب ظاهرهم، وإمهال الله لهم، إمعاناً في النفاق، وكيداً لنبيهم ودينه وأصحابه، واستمر ذلك حتى فتحت مكة، ودانت ثقيف وخضعت الجزيرة العربية، ووجه الرسول جهاده إلى خارجها.
ففي السنة الثامنة وجه جيشه إلى الروم في الشمال، وأمر على الجيش ثلاثة من كبار الصحابة، وأحس النبي الكريم بأنهم قد يقتلون جميعاً، فلما التقت جيوش الروم بالمسلمين عند (مؤتة) قتل قواده الثلاثة كما عينهم، واختار المسلمون بعدهم خالد بن الوليد فأفلح في الانسحاب، ولم يتبعه الروم داخل الجزيرة خشية أن يكون انسحابه مكيدة حربية يجر بها الروم إلى داخل الصحراء ثم يضربهم.
وفي السنة التاسعة للهجرة أراد النبي أن يجهز جيشاً للثأر من الروم، وإتمام ما بدأه في مؤتة. وكان الوقت الذي اختاره للخروج وقتاً شديد الحر، والمسلمون في عسرة من الظهر، وقد طابت الثمار، والناس يحبون البقاء في ثمارهم وظلالهم، وتجهز الجيش، وساهم الصحابة بما يستطيعون لتجهيزه وخرج النبي بجيشهم وركائبهم قليلة حتى كان يعتقب العشرة منهم على بعير، وزادهم قليل حتى اقتسم الثمرة منهم اثنان. وماؤهم أقل حتى نحروا الإبل وشربوا ما في كرشها. وكان العدو كثير العدد، والشُّقة بينهم وبينه بعيدة، والحاجة شديدة إلى كل مساعدة مهما قلَّت. فماذا فعل المنافقون لنجاحها؟
الله يشهد أنهم عملوا جهدهم لإحباطها سواء منهم من خرج في جيش المؤمنين، ومن رضي بالقعود والتخلف عن رسول الله؛ أما الذين رضوا بالقعود فقد رغبوا بأنفسهم عن نفس رسول الله واستبعدوا أن يفلح محمد في هذه المغامرة، وتحدثوا بذلك، وأغروا غيرهم بالقعود، وقالوا لا تنفروا في الحر، وأستاذنوه صلى الله عليه وسلم في التخلف معتذرين بأعذار كاذبة، والحق أنهم جبنوا وبخلوا وكان أملهم ضعيفاً في انتصار المسلمين والفوز