واللعب. أما الفتيات فكن إذا رأين يده الناعمة الرخصة فوق المسوح الخشن، وتطلعن إلى وجه الشاب الذي أصبح مناله صعباً بل حراماً، شعرن بقشعريرة تسري في أجسادهن وركعن على الأرض يتمتمن بصلاتهن، ولكن أحداً لم يفلح في أن يرى عينيه. . . لماذا هو مطرق، ولماذا يسير في مؤخرة الموكب ولو شاء لكان في أول الصفوف؟ ليس بينه وبين القديس إلا خطوة واحدة
وفي يوم مر القديس وحاشيته على قصر منيف، فسأل عن صاحبه فقيل له إنه لثري عظيم لا هم له إلا اكتناز المال ولم يسمع عنه في يوم أنه أحسن بدرهم. فعدل القديس عن مواصلة سيره ودخل القصر ليهدم منه للشيطان معقلاً ويظفر بتخليص أرواح ساكنيه. فوجد الثري جالساً أمام مائدته تتكدس عليها الأطباق والأقداح، عن يمينه زوجه، وعن يساره ابنته، وأمامه أولاده، ومن حواليه أتباع وحشم يتطلعون لشفتيه لعلهما تنبسان بأمر
امتلأت الردهة بالأصوات، ولكن الضجة لم تمنع النبيل - ولعل إطراقه ساعده على إجادة السمع - من أن ينتبه لضحكة رقيقة تحاول صاحبتها كتمانها فلا تقوى. . . هل مبعثها سرور أو دهشة؟ أم هي سخرية؟ رفع رأسه فوجد ابنة الثري تتطلع إليه بعيون ندية كلها أضواء. . . ورأى كيف تحتال حتى جاء مقعده إلى جوارها.
وتفجر القديس يلوم، وكأن روحه ترمي بالشرر، ثم يعظ، فكأن قلبه يفيض بالغيث المنهمر، وسحرت بلاغته الحاضرين فتقاربت الوجوه وتشابهت السحن فما يُميز بين السادة والخدم.
واختلت الفتاة بالنبيل وجرى بينهما حديث خافت:
- لو أنك مررت علينا من قبل لخطت لك هذا المسوح على قدّك فإنني أشفق عليك وأنت تتعثر في أذياله، وتتيه ذراعاك في أكمامه، فقل لي بالله عليك كيف تحتمله؟
- لا يكربك الأمر؛ فلست دالفاً إلى مرقص، بل ساعياً إلى رب ينظر إلى القلوب لا إلى الأثواب.
- ويلي إذن! لقد كنت أظن الرقص عبادة؛ فما رقصت مرة إلا شعرت أنني أقرب إلى الله مني في أوقات الفراغ والسأم.
وهنا وجد الشاب نفسه أسير نظرة فاحصة ماكرة، هازئة كلها عطف وفهم، فيها بريق عين النهم وهو جائع مقبل على أشهى أطعمة.