يقول:(وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يُجزاه الجزاء الأوفى) ويقول في الرد على من زعموا أن لهم مكانة عند الله تخرجهم من هذا القانون العام قانون الجزاء: (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب؛ من يعمل سوءاً يُجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً، ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً). (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره).
ومن هذا العدل المطلق والجزاء الحتم أباح القرآن أن يقابل الشر بمثله من غير بغي. قال:(وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) وقال: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله) ويقول: (ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بُغي عليه لينصرنه الله) وفي سورة الشورى يوضح هذا أتم إيضاح. يقول في مدح المؤمنين:(والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون، وجزاء سيئة سيئة مثلها. فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين. ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل. إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم). فمن حق الإنسان أن يردّ البغي عن نفسه في غير عدوان، وأن يلقى السيئة بمثلها وينتصر ممن ظلمه، وله أن يعفو ويصفح إن رأى في العفو خيراً.
ذلكم العدل الذي بثه الله في خليقته، وأمر به عباده، وجعل فيه صلاحهم، وفي تركه دمارهم. فمن شاء الخير لنفسه وللناس فليلزم العدل في كل صغيرة وكبيرة، وليكن كما أمر القرآن قائماً بالقسط شهيداً لله.
إن الأمم تتهافت في النار، وتعود على ما شيّدت بالخراب والدمار، بما فقدت العدل وكفرت به، واتخذت لأنفسها شريعة من الباطل والزور والبغي. يريد المغترون بقواهم أن يسيطروا على الأرض بالباطل، زاعمين أنهم يسيطرون عليها بالحق، لا يرون لغيرهم حقاً، ولا لأطماعهم حداً، ولو أنصف الناس فقاموا في خلق الله بالقسط، وجعلوا الحق شريعة بين الناس، ونبذوا العصبية للباطل، ورفعوا عن أعينهم غشاوة الهوى ما سُخرت عقولهم وعلومهم وصناعاتهم للإهلاك والتدمير، ولما قذفوا بأنفسهم في جهنم وهم يستطيعون أن