(وأوفوا الكيل والميزان بالقسط، لا تكلف نفساً إلا وسعها، وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون).
والآيات التي تأمر بالعدل كثيرة حسبنا منها الآية الجامعة:(إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون)
ويشتد القرآن في النهي عن الظلم كما يشتد في الأمر بالعدل ويبين عاقبة الظلم في الأمم بأساليب شتى؛ والظلم في لغة القرآن وضع الأمر في غير موضعه أو الخروج عن الحق. فالمجرم ظالم، والكافر ظالم، والمشرك ظالم، والكاذب ظالم. يقول:(فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته). ويقول:(وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم). ويحكي القرآن عن آدم وحواء حين تابا:(قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين). وما هذا الظلم إلا مخالفتهما ما أُمرا به.
وعاقبة الظلم هلاك ودمار للفرد والجماعة والأمة. قلّ أن يذكر القرآن هلاك أمة أو بلد إلا بيّن أنها هلكت بظلمها. يقول في سورة الأنبياء:(وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً آخرين). وفي سورة الحج:(فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها، وبئر معطلة وقصر مشيد). (وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإليّ المصير). وفي سورة هود:(تلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد. وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم، فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب. وكذلك أخذ ربك إذ أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد).
هذا العدل المطلق الذي بينه القرآن وأمر به يقتضي الجزاء الحتم. فكل إنسان مجزيّ بعمله خيراً أو شرّاً. العدل يقتضي أن يميّز الخير من الشر والمحسن من المسيء. يقول القرآن:(ولا تستوي الحسنة ولا السيئة) ويقول: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين. ما لكم كيف تحكمون)(أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم؟ ساء ما يحكمون) بل يقرن القرآن الجزاء بخلق السموات والأرض (وخلق الله السموات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون).
فالجزاء حتم على كل صغيرة وكبيرة وليس للإنسان إلا عمله، ليس في الناس مقربون إلى