وفيه تمثال، وما في برلين ولا في روما شارع إلا وفيه صور وخرائط ورموز تشعل الحقد والغرور في نفوس الناظرين إليها من أهلها، وإن بريطانيا العظمى اليوم لتستعين بالأدباء والخطباء على إثبات حقها في الدفاع عن الديمقراطية التي تتحدى بها الديكتاتورية وتناصرها عليها. وكل من ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا العظمى تنفق على التصوير والنحت والأدب والخطابة ملايين الجنيهات غير آسفة، لأنها تعرف أن هذه الفنون غذاء لازم للأرواح لا تستطيع الأرواح الإقبال على الكفاح أو الثبوت فيه إلا إذا شبعت وارتوت منها. وإذا كانت هذه الدول تؤمن بفوائد الفنون هذه الإيمان، وإذا كانت هذه الفنون قد أحدثت في هذه الدول هذه الآثار التي نراها من اختبال العقل في الألمان والطليان والصبر الجبار عند البريطان، فإنه جدير بنا أن هرع إلى هذه الفنون لنشبع أنفسنا ونرويها منها، فلسنا نعيش في دنيا غير الدنيا التي تعيش فيها هذه الدول، وإنما نحن في مركز الدائرة، وإذا نحن فوتنا هذه الفرصة وقعدنا فيها عن استغلال الفنون في إثارة الروح الوطنية في نفوس المصريين، فإننا قد لا نحتاج بعد اليوم إلى الفن يحيينا، لأننا قد نحتاج بعد اليوم إلى أدوية وضروب أخرى من العلاج.
هذه الظروف القاسية إذن هي أنسب الظروف لإنعاش الفنون الجميلة وإحيائها وتفتيح الأسواق للفنانين، وتستطيع الحكومة أن تبدأ منذ اليوم بإنشاء مكتب جديد في وزارة المعارف لشراء الصور والتماثيل من الفنانين لتوزيعها على الدور العامة والمعاهد الحكومية والميادين والمتنزهات والشوارع، وأظن أن تاريخنا الطويل مملوء بالموضوعات الوطنية الجبارة التي تفعل في النفوس فعل السحر، كما أظن أنه كان من آبائنا وأجدادنا أبطال من حقهم علينا، ومن حقنا على أنفسنا أن نخلد صورهم أمام أعيننا لننظر إليها دائماً ولنستقي من معانيها آيات المجد والحرية والإيمان.
ولعله مما يضيق به صدر الحق والفن أن تكون كليات الأزهر خالية من تماثيل أبطال الأزهر وصورهم، وأن تكون الكلية الحربية خالية من صور زيتية تخلد البطولات المصرية والانتصارات المصرية في تاريخنا القديم وفي تاريخنا الجديد، وأن تكون كليات الجامعة خالية من تماثيل رجال العلم ورجال الأدب المصريين والأجانب الذين لا نزال نتتلمذ عليهم ونأخذ عنهم، وأن تكون دار البرلمان المصري مزدانة بصور فوتغرافية ملونة