للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذلك أن تفتح للنحاتين والمصورين الذين تربيهم باباً مطمئناً من أبواب الرزق كما فعلت ذلك مع غيرهم.

فما هي هذه السوق التي تستطيع الحكومة أن تنشئها للنحاتين والمصورين؟

(المتاحف)، فهي أول ما يرد إلى الذهن، ولكن التجربة أثبتت أن الجمهور المصري منصرف عن المتاحف انصرافاً تاماً، وأن كل ما ينفق عليها عبث لا يجدي ولا يعود بالنفع، فهي بعيدة عن الجمهور، لا يقصد إليها أحد، ولا يستمتع بها أحد، ولا يتأثر بها أحد. والذي نريده نحن أن نضع الفن تحت أعين الناس حتى يروه ويتأثروا به، ثم يحبوه، ويقبلوا عليه.

وقد ألهم الله الأستاذ محمد حسن فكرة ضمنها تقريره الذي رفعه لمعالي الدكتور هيكل باشا فوافق عليه ولكنه توقف عنه للأزمة الطارئة. . .

وتلك الفكرة هي أن تقرر الحكومة تزيين معاهدها ودورها العامة، وحدائقها ومتنزهاتها، وشوارعها وميادينها بالصور والتماثيل. . .

وتستطيع الحكومة أن توفر آلاف الجنيهات من ثمن السجاجيد التي تفرشها على الأرض في دورها ومعاهدها، وأن تعطى هذه الآلاف للفنانين المصريين الذين يشكون اليوم أزمة البوار بينما اليوم هو يومهم الذي تلطب البلاد فيه نفثات أرواحهم.

ومعالي الدكتور هيكل باشا أول من يعرف أن نفوس الجماهير لا يؤثر فيها شيء مثلما يؤثر فيها الفن، وأنه لا يملؤها عزماً وحباً للحياة إلا الفن، وإني أخجل من التحدث إليه في هذا الموضوع لأني واحد من أبنائه فيه، فقد تعلمت من كتابته كما تعلم غيري أن تباشير النهضات دائماً لا تكون إلا فنوناً يتلوها العلم، ثم يتلوه العمل.

فإذا قيل لنا إن الظروف القاسية التي نعانيها اليوم تمنعنا من التبذير ومن الإنفاق على الفنون الجميلة في الوقت الذي تحتاج فيه إلى الإنفاق على ما هو أهم منها وأكثر ضرورة ووجوباً في هذه الظروف، قلنا إنه لا شيء أهم من الفن في هذه الظروف ولا شيء أكثر منه ضرورة ولا شيء أكثر منه وجوباً.

وإن نظرة واحدة نلقيها على الدول المتصارعة في العالم اليوم تثبت هذا الذي ندعيه، فألمانيا وإيطاليا استعانتا بالفنون على تهييج شعبيهما، فما في برلين ولا في روما ميدان إلا

<<  <  ج:
ص:  >  >>