من نحن؟ نحن الصابرون على مصاعب الإتقان والتجويد في العلوم والفنون منذ العهد الذي سبق التاريخ بأجيال وأجيال.
وهل لبلادٍ في الدنيا ماضٍ يشبه ماضي هذه البلاد في العناية بالعلوم والفنون؟ فإن سألتم عن الحاضر فإليكم أسوق الحديث بلا تزيّد ولا إسراف:
كانت بلادنا الغالية هي الهدف الأول للحروب الصليبية، وكانت تلك الحروب مبدأ اليقظة في الغرب، وبفضل اصطدام الصليبيين بمصر عرفوا أول مرة كيف تكون الحضارة والمدنية.
ومن أين عرف الصليبيون معنى الاستشهاد في سبيل النصرانية؟
إنما نقلوا ذلك عن مصر، فهي أول بلد تعصب لدين عيسى في القرون الخوالي، كما كانت أول بلد أذاع نظرية التوحيد، يوم كان العالم كله لا يعرف غير الارتطام في أوحال الوثنية، وذلك هو السر في حرصها على إعزاز الإسلام، لأن الإسلام هو التعبير الصحيح عن نزعتها القديمة في إيثار التوحيد.
وجو مصر له فضل عظيم على الإنسانية. وأين من يعرف أن جو مصر هو الذي هدى الناس إلى الطيران؟
فوق جبل المقطّم شرقي القاهرة وقف رجل فرنسي فقير يكسب قوته من العمل بأحد متاجر القاهرة، وقف يرقب حركات الطير فوق ذلك الجبل قُبيل الشروق وبُعيد الغروب، وما زال يصوّب ويصعّد حتى اهتدى إلى سر الطيران.
فهل يذكر الألمان المغيرون بطائراتهم على لندن أو الإنجليز المغيرون بطائراتهم على برلين أن (جو مصر) هو الذي أمدّهم بذلك السلاح؟ وهل يذكر الطليان الذين يهددون (مصر الجديدة) بغاراتهم الجوية أن (مصر الجديدة) فيها تمثال (مويار) الذي نقل عن (جو مصر) سر الطيران؟
ما سمعتُ صفارات الإنذار بالغارات الجوية وأنا قارٌّ بداري في (مصر الجديدة) إلا عجبتُ من إمعان بني آدم في العقوق، فكل بلد يجوز الهجوم عليه بقاذفات القنابل إلا البلد الذي يقوم فيه تمثال الرجل الذي هداه (جو مصر) إلى سر الطيران.