وجو مصر صنع ما صنع في تقدم الطب الحديث، فأهل الصين على بعد الدار، وشط المزار، يعرفون أنهم أصبحوا في أمان من أمراض لم تكتشف جراثيمها إلا في البلاد التي أنجبت البارودي وشوقي وحافظ ومحمد عبده وعبد العزيز جاويش ومصطفى كامل وسعد زغلول، كما أنجبت الفلكي والبقلي وعثمان غالب.
وما استوطن أجنبي مصر إلا خلعت عليه أثواب القوة والبهاء، وما دخل غريب مصر إلا نسي بلده الأصيل أبد الآبدين.
فإن قيل إن بلدنا موطن الأخياف فهذا حق، لأن حوض الزهر هو الوطن لجميع أمم النحل.
وهنا أذكر أن النحل المصري تفرّد بالشراسة والحمق، لأنه يعرف أنه معدوٌّ عليه، ويعرف أن أسراب النحل تأتي لمنافسته من جميع بقاع الأرض، وكذلك يُسهمُ المصري بالثورة على (الأجانب) من حين إلى حين.
وطني! إن جمالك هو الذي يجني عليك.
أما رأيت كيف تباح حرية الإضاءة في جميع الشواطئ ولا تقيد إلا في الإسكندرية وبور سعيد؟ وهل كان ذلك إلا لأن هذين البلدين هما أجمل ما تملك فوق شواطئ البحر المحيط؟
وطني! لهذا اليوم ما بعده، وسوف تلقاني وألقاك، وإن أرجف المرجفون بأن لا لقاء بعد اليوم المخُوف.
وطني! إن لم أحمل السيف في حمايتك فقد حملتُ قلمي في الدفاع عنك، والقلمُ أبقى من السيف، وفضلُك في الدنيا هو فضل القلم قبل فضل السيف، وقد أقسم الله بالقلم لا بالسيف، فعِش إلى الأبد حجة العالم وبرهان الزمان.
وطني! أنت تذكر أنه ما استطاع أمير ولا وزير أن يأجرني في العصبية لك، لأنك وطني وحدي، ولأني لا أسمح لأحد بأن يسبقني في الوصول إلى مواقع هواك.
وطني! وطني! إن عشتُ لك فسأحمل رايتك في المشرقين والمغربين، وسأكون سفيرك في كل أرض يصل إلى أسماع أهلها قلمي، فإن مت قبل أن أدرك في خدمتك ما أريد فسأكون برغم الحوادث بطل الوطنية والإخلاص.