قلت في بعض المناسبات إني سريع الإنشاء، فظن كثير من الناس أن هذه السرعة قد تعطّل العناية بالأسلوب، وقد تفوّت الفرصة في تخيُّر الألفاظ الصحاح.
وأقول إن السرعة في الكتابة لا ترجع إلى التحرر من قيود الألفاظ والأساليب، وإنما السرعة في الكتابة ملكة من الملكات النفسية يُكسب منها ما يُكسب، ويُوهب منها ما يوهب، وقد ترجع إلى ما يتصف به الفكر في بعض الأحيان من القوة والمضاء. . . فإن رأى أحد القراء في مقالاتي أو مؤلفاتي كلمات أنكرها النقاد فليعرف جيداً أن وجه الصواب لم يغب عني، وإنما أثبت تلك الكلمات وأنا أعرف ما وُجه إليها من التجريح والتزييف، لأني أدرك من أحوالها ما لم يدرك أولئك الناقدون الفضلاء. وإليكم بعض الشواهد:
تلطّف كاتب كبير فأوصى أحد الأصدقاء أن يبلغني أني أخطأت في استعمال كلمة انسجام بمعنى وأقول إنها وردت بهذا المعنى في رسائل إخوان الصفاء.
وأنكر أديب آخر أن أجمع صناعة على صنائع، وأقول إنه جمع صحيح وله نظائر مثل رسالة ورسائل وبضاعة وبضائع.
وأخطأ المتحذلقون بوزارة المعارف حين غيروا اسم (مدرسة الفنون والصنائع) ليصيروها (مدرسة الفنون والصناعات)، ولو نظروا لعرفوا أن الناس يقولون:(فلان رجل صنايعي) بالنسبة إلى الجمع وهو صحيح، ولو كان في أولئك المتحذلقين من ساير كتب العرب في أبواب الاقتصاد لعرف أن العرب في مؤلفاتهم لا يجمعون صناعة إلا على صنائع. والقول بأن (صنائع) ليس إلا جمع صنيعة لا يخلو من التحكم البغيض.
وأنكروا أن ترد (النسائم) في كلامي جمعاً للنسيم، وأقول إنها وردت كذلك في نثر الشريف الرضي. وأنا راض بأن أخطئ مع الشريف!
وأنكروا أن أقول المساهمة بمعنى المقاسمة، وقد طربت أشد الطرب حين وجدت لها شاهداً في نثر الشريف، ثم عجبت كل العجب من غفلة بعض النقاد حين رأيت الزمخشري نص عليها في الأساس فقال: وتساهموا الشيء، تقاسموه، ثم أنشد:
تساهم ثوباها ففي الدرع رأدةٌ ... وفي المِرطلفّاوان ردقهما عبْلُ
وأنكروا أن أقول المرير بمعنى المر، وقد استأنست بقول الشريف:
وما كل أيام الشباب مريرةٌ ... ولا كل أيام الشباب عِذابُ