يأمر الله سبحانه في هذه الآيات الجامعة بالعدل والإحسان وصلة الأرحام، وينهى عن الفحشاء وكل منكر، وعن البغي على الناس. وهذا أمر بكل خير ونهي عن كل شر.
ثم يخص الوفاء بالعهد فيأمر به ويسميه عهد الله، وكل عهد بين اثنين يسمى عهد الله، لأن الله رقيب على أعمال الناس، وقد أمرهم بأن يصدقوا ويحسنوا ويفوا بالعهود، ولأن العهد قسم بالله وشهادة لله على الوفاء. وأكد الأمر بقوله: ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها، وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً. فالإنسان حين يعاهد يشهد الله على عهده ويجعل الله كفيلاً عليه بالوفاء، فكيف تنقض صفقة تكفّل بها الله؟ إن الإنسان ليتخذ كفيلاً من وجهاء الناس فيحرص على الوفاء بعهده إكراماً لهذا الكفيل وحياء منه، فكيف بمن جعل كفيله الله؟ ثم نهاهم أن تكون أمورهم لعباً وعبثاً، يبذلون وعودهم وعهودهم وأيمانهم ثم ينقضونها، كالمرأة الحمقاء التي غزلت ثم نقضت غزلها؛ ذلك عبث وصغار لا ترضى به النفوس الكريمة الكبيرة الحرة. نهاهم أن يفعلوا ذلك وأن يتخذوا أيمانهم غشاً وفساداً إذا لاح لهم نفع في نقض العهد، إذا وجدوا أن جماعة عاهدوها هي أقل عدداً وقوة من جماعة لم يعاهدوها، فهم يريدون أن ينقضوا عهد الضعيف ليرضوا القوي أو يحالفوه. وهذا معنى قوله:(أن تكون أمة هي أربى من أمة). ثم قال:(ولا تشتروا بعهد الله ثمناً قليلاً). يعني: لا يحملكم على نقض العهد نفع تنالونه من وراء نقضه، فإن كل ما تنالون بنقض العهود هو ثمن قليل في جانب هذا الأمر العظيم. وكل ربح تتوهمونه في ذلك خسران كبير.
وقد أثنى القرآن كثيراً على الموفين بالعهد، قال في وصف المؤمنين المفلحين:(والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون). وقال في وصف الخيرين البررة:(والموفون بعهدهم إذا عاهدوا). وقال:(إنما يتذكر أولوا الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق). وقال:(بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين).
هذه إشادة القرآن بالموفين بالعهد، وثناؤه عليهم بكل خير تعظيماً لهذا الأمر العظيم.
وأما الذين لا يوفون بعهودهم فقد ذمهم القرآن وشنع عليهم فقال:(والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون). وقال في موضع آخر:(والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار). وقال في