جماعة من أهل الكتاب نقضوا العهد:(فيما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية). واستمع إلى هذه الآية الهائلة التي تبين غضب الله على من ينقض العهد ابتغاء منفعة:(إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة، ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.)
وقد أخرج القرآن ناقضي العهود من الإنسانية وجعلهم من الدواب بل جعلهم شر الدواب في قوله:
(إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون، الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون).
ألا ترى أنه جعل الذين كفروا شر الدواب ثم وصفهم وصفاً يلائم هذه الحال فأخبر أنهم لا يثبتون على عهد كلما عاهدوا نقضوا عهدهم. كما قال في آية أخرى:(أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم؟)
راعى القرآن العهود وأعظم شأنها حتى أوجب الدية في قتل غير المسلم من قوم معاهدين، ولم يوجبها في قتل المسلم من قوم غير معاهدين.
تلكم شرعة الإسلام في رعاية العهود، وهي التي سار عليها المسلمون في سلمهم وحربهم فكانوا أوفى ذمة وأثبت عهداً. . . تنطق بذلك سيرهم منذ جاءهم الإسلام حتى اليوم. كان للعهد عندهم حرمة لا تمتهن، في السراء والضراء، والشدة والرخاء. كان العهد الذي يعطيه أقل رجل من المسلمين ولو عبداً - نافذاً على المسلمين جميعاً لا يقبل تأويلاً ولا تبديلاً.
إن حفظ العهود ليلقى الأمن والطمأنينة في نفوس الأفراد والأمم ويقيم أمور الناس على شريعة من المودة والإنصاف والتعاون. وإن العالم ليزلزل اليوم بما استخف بالعهود واتخذها وسيلة إلى المطامع؛ فلم يركن الناس إلى معاهدة، ولم يأمنوا الغدر والمفاجأة، فصاروا في ريبة وحيرة، وزال ما كان يثبت الأمم من مواثيق تؤمن بها وتركن إليها وتسير في تدبيرها عليها. صار الوعد لا يدل على الوفاء، والعهد لا يؤمن من الغدر، فاضطرب الناس فهم في أمر مريج.
وقد حدثنا القرآن عن بلاد أهلكت وأخبرنا أن مما أهلكوا به استخفافهم بالعهد فقال: (أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم