بالذهن الإنساني من معان وأفكار وجميع ما ينطق به اللسان من ألفاظ وعبارات. هذا إلى أنه بمقتضاه لا يوجد للمعنى الواحد أكثر من صورة واحدة، مع أنه في معظم اللغات الإنسانية كثيراً ما يوجد للمعنى الواحد عدة ألفاظ مترادفة. فاستخدامه في حالات كهذه يوقع في اللبس ويؤدي إلى الاضطراب.
(وثانيهما) أسلوب الرسم الصوتي , الذي يضع لكل صوت صورة خاصة. وقد استخدم هذا الأسلوب من الرسم في كثير من اللغات القديمة، ويستخدم الآن في معظم الشعوب المتمدينة.
وترجع الصور الخطية التي استخدمت في هذا الرسم إلى طائفتين: إحداهما الصور المقطعية وهي التي ترمز إلى مقاطع كاملة كما يرمز في الهيروغليفي بشكل الشفتين إلى مقطع را والأخرى الصور الهجائية وهي التي ترمز إلى أصوات ساكنة، كما يرمز في الرسم العربي بهذا الحرف (ل) إلى صوت اللام مجرداً من جميع الحركات.
ويظهر أن قدماء المصريين كانوا أول من استخدم هذا الأسلوب بنوعيه (المقطعي والهجائي) منذ أكثر من ثلاثين قرناً قبل الميلاد. فمن بين صور الخط الهيروغليفي ما يرمز إلى مقاطع صوتية (صورة الشفتين مثلاً التي تعبر عن مقطع (را)) بل من بينها ما يرمز إلى مجرد أصوات ساكنة (صورة الشفتين مثلاً التي أصبحت ترمز فيما بعد إلى صوت الراء غير المتبوع بأي حركة، كما هو شأن الراء في الحروف الهجائية العربية). غير أن قدماء المصريين لم يستخدموا هذا الأسلوب وحده، بل مزجوه بالأسلوب الأول. فالرسم الهيروغليفي خليط من الرسم الصوتي والرسم المعنوي؛ يستخدم بجانب الصور المقطعية والهجائية صوراً حقيقية ورمزية.
ومن الراجح أن الفينيقيين هم أول من استخدم الأسلوب الهجائي وحده. وقد اضطرهم إلى ذلك نشاطهم التجاري وكثرة تنقلهم وتعدد علاقاتهم بمختلف الشعوب. فقد كانت هذه الشئون تقتضيهم في جميع أعمالهم السرعة في الحركة، والاقتصاد في المجهود، وتحري وجوه الدقة. والأسلوب الهجائي هو أسرع أساليب الرسم، وأيسرها وأدناها إلى الكمال. وليس من شك في أنهم حاكوا في أسلوبهم هذا ما كان يشتمل عليه الخط الهيروغليفي من صور هجائية. على أنه قد ثبت أنهم أخذوا أخذاً عن هذا الخط نحو ثلاثة عشر حرفاً من حروفهم.