أما الغرض الثاني من مقال الأستاذ متولي، فنقد مسرحية (مفرق الطريق)، وفي هذا المجال وثب الأستاذ متولي وثبة نقول إن التوفيق لم يحالفه فيها كما سنبين:
أراد الأستاذ متولي أن يحدد (الناحية الفنية) للمسرحية، فإذا به يتحدث في غير ذلك، ذلك أن المعنى المباشر (للناحية الفنية) لمسرحية ما، هو خضوعها لشرائط الفن المقطوع بها، من حيث مراعاة بلاغة العرض لحوادثها وجودة الحبك لمشاهدها، وبراعة الحوار ولطفه، وعمق التفكير وانسيابه إلى أعماق النفس يكشف عن خفاياها. . . الخ، ولكننا لم نطالع شيئاً من هذا في مقال الأستاذ متولي، بل طالعنا آراء تتطوح بين علم النفس وعلم الجمال، والعلمان من صميم الفلسفة، وإذا بالأستاذ متولي الذي نعت حديثنا عن الفيلسوفين (كانت) و (بيرجسون)(بالتفلسف) يكتب فصلاً في الفلسفة - ونأبى أن نقول على غراره: في (التفلسف) - وإذا بأسماء (ريبو) و (بيكون) وغيرهما تجري مجنحة مطلقة العنان، مما يدل على أن الأستاذ متولي أراد (بفنية المسرحية) أمراً غير ما يدل عليه المعنى المتداول للمصطلح عليه لدى رجال المسرح، إذ هو يريد بها، ولا شك، (الناحية الرمزية الفنية) للرواية، يأتي بهذا الملبس في فصل من القول يجب أن يكون قائماً على الدقة والإحكام.
والنقد الذي أراده الأستاذ متولي لمسرحية (مفرق الطريق)، هو للمقدمة أكثر منه للمسرحية، هذا في حين أن (المقدمة) أمر عارض، لأنه غير المسرحية التي هي مناط القول في الجدل، وما احسب أن بشراً كان يتجشم كتابتها متبسطاً لولا حرصه على أن يقرب المسرحية إلى أذهان القراء وييسر لهم أمر استيعابها وهي حدث جديد في التأليف المسرحي المصري.
وعلى اعتبار أن (المقدمة) هي العنصر الأول، كما يتعمد أن يراها متولي، لينتقصها ثم ينفذ من هذا إلى انتقاص قدر المسرحية نفسها، فأين الأخطاء التي وقع فيها كاتبها، وما هي مزالق الكلام فيها؟
لا أخطاء ولا مزالق كلام؛ وإنما هو تعسف وعنت من جانب الأستاذ متولي، ومرد هذا كله أن فكرته عن الرمزية محدودة ضيقة، إذ هو يريد أن يخضع كل ما يؤلف في الرمزية لما وجده عند (ريبو فقط، و (ريبو) هو واحد ممن كتبوا في الرمزية وعلم النفس، وواحد ممن أسقطت الآراء الفلسفية الحديثة أكثر ما ذهب إليه فيهما، كما سنشرح هذا.