المشابهات والملابسات بينهما - مع ملاحظة الفروق بين الزعيمين - وتباعد الشقة بين عصريهما. وهو ضرب من التوفيق والتطبيق لم يتح إلا لفنان أديب.
وحرصي على استبقاء توفيقه في تحري البحث - يدفع بي إلى أن أشعره بما قاله من التوفيق في الحلقة الثالثة من نظيم مقالاته - ذكر في العدد ٣٧٢ من الرسالة الغراء تحت شرحه لغزوة الأحزاب (ثم ساروا - أي (جماعة من يهود بني النضير بعد إجلائهم عنها) إلى غطفان. فأعدوها لحرب النبي - وخرجت قريش وغطفان يريدون المدينة).
وحقيقة التاريخ أن بني النضير بعدما أجلوا عن المدينة مرغمين لم تهدأ لهم ثائرة، بل عملوا طاقتهم ليثأروا من الرسول وأصحابه. قام سيدهم حُسَبيُّ بن أخطب ومعه سلام بن أبي الحقيق النضيري وهوذة بن قيس وأبو عمار الوائليان بدعاية واسعة النطاق ليؤلبو العرب جميعاً على غزو المدينة وحرب المسلمين حتى يستأصلوهم.
ولقد جعلوا نصب أعينهم تلك القبائل التي بينها وبين المسلمين شر. فعمدوا أول ما عمدوا إلى قريش وهي صاحبة المواقف الجليّ مع الرسول، وأبرموا معهم أمراً. ثم خرج أولئك الدعاة إلى غطفان وحدثوهم بما حدثوا به قريشاً وبيتوا عليه. وفي النهاية جعلوا لغطفان نصف ثمار خيبر سنة كاملة إن هم نصروهم حتى يتم لهم الفوز. ومضوا إلى بقية الأحياء المعادية فطافوا على بني أسد وسليم وهذيل، وبعد أشهر كانت هذه الأحزاب قد أتمت جهازها للغزو. ففي شوال من السنة الخامسة خرج أبو سفيان ابن حرب على رأس أربعة آلاف مقاتل من قريش وأحابيشها يحمل لواءهم عثمان بن طلحة العبدري الذي قُتل أبوه على لواء المشركين يوم أحد، ولاقتهم بنو سليم بمرّ الظهران في سبعمائة، يقودهم سفيان بن عبد شمس حليف حرب بن أمية، وخرج معهم بنو أسد بن خزيمة يقودهم طليحة بن خويلد، وجاءت فزارة في ألف رجل يقودهم عيينة بن حصن القزاري، وبنو مرة (من ذبيان) في أربعمائة يقودهم الحارث بن عوف المُرّيّ، وبنو أشجع في أربعمائة كذلك يقودهم مسعر بن رخيلة، ولحق بهم بنو سعد (من ذبيان) وانضمت إليهم اليهود حتى تكامل عددهم عشرة آلاف جندي مقاتل.
من هذا يتبين أن كتائب المتحزبين لم تكن من قريش وغطفان فحسب، ولكن كانت قوة هائلة تكونت من مجموع هذه القبائل والبطون التي في قلبها من الرسول دخن.