وكتب أديب آخر يعقب على التحية التي حييت بها تاجور في تلك الأيام فقال: أولاً نحسن نحن أن ننظم مثل هذا القصيد ونبدع مثل هذه الخواطر؟ فما بال العقاد لا يكبرنا كما يكبر هنديه تاجور؟. . . أم زامر الحي لا يحظى بإطراب!
وكل جواب لهذين القولين عبث، لأنه كجوابك من يقيس الجمال بعيون كعيون الغزلان، وفم كأنه خاتم سليمان، وبطن كأنه العجين الخمران، إذ أنت تنظر إلى عين تناجيك بمعناها وفم يجتمع فيه شعور روح، ويبدو أن على (خلاف الشروط) أقرب إلى الدمامة منهما إلى الجمال!
إنني أقرأ تاجور فلا أقول أصاب أو أخطأ وأبدع أو جاء بالكلم المطروق.
وإنما أقرأه وألتمس عنده (نفحة نفس لطيفة) وأنا على ثقة أنني وأجدها في كل ما ينظم وكل ما ينثر وكل ما يتخلل عباراته من صمت بعيد الغور مشبع بالهداية والإيحاء.
خذ لذلك مثلاً قوله:(كل طفل يولد في العالم هو آية على أن خالق الكون سبحانه لم ييأس من الإنسان).
هذه نفحة نفس محبة لا شك فيها، وإذا كان الشرط الأول من شروط الشعر أنه تعبير عن نفس إنسانية فقد وفى تاجور الشروط كلها في كلماته تلك، لأنك تعرف نفس تاجور بتلك الكلمات معرفة لا يضيرك بعدها أن تقيسها بالبرهان فلا تثبت على القياس، ولا تجيبك إذا سألت: وما القول في كل بيضة جديدة تلدها الحية الرقطاء؟
بيد أنك تقرأ لتاجور مع هذا حكمة إلهية لا ينقضها ناقض ولا تزال مطردة أتم اطراد مع نفحاته اللطاف.
سأله تلميذ من تلاميذ مدرسته: ما هذا النظام الكوني الذي نعظمه ونمجده ولا فرق فيه بين الإنسان والجماد؟ إن الريح العاتية لتعاملني حين تلقاني كما تعامل صخرة أو شجرة، فأين النظام الذي يزن كل شيء بميزانه؟
فكان جواب تاجور: أتود أن تكون لك روح ولا تنفصل مما حولك كأنك القطرة في الغمار؟ إنك إذن تفقد روحك وتزول من حيث أنت إنسان منفصل عن عالم الجماد. . . أم تود أن تنفصل عن عالم الجماد ولا تشعر به نافعاً وضاراً على اختلاف كما ينبغي الشعور بجميع