كذلك قضى ما قضى من أيامه يؤمن بالصوفية الهندية ويدعو إلى الإيمان بها، ولكنه سئل أن يختار نشيداً وطنياً فاختار نشيداً من الشعر الهندي القديم، فلما أبى المسلمون أن ينشدوه لأنه يذكر الآلهة العديدة قال تاجور: لقد أصابوا، فإني أنا أيضاً من الموحدين لخالق الكون العظيم. ثم أوصى بحذف الأبيات التي أباها المسلمون.
أهو شيخ في تفكيره؟
نعم هو يفكر تفكير الشيوخ ولم يتمرد قط تمرد الشباب. ونذكر في مصر أن شاباً مثقفاً لقيه مستأذناً في ترجمة بعض كتبه، فقال له ما معناه: لم العجلة يا بني؟ عند ما تبلغ سن تاجور تترجم معاني تاجور!
لكنه ربح جائزة نوبل وجاءه منها ثمانية آلاف جنيه، فبنى بها مدرسة جامعة لتعليم الشبان الحديث والقديم من العلوم، ولإنشاء جيل جديد غير الجيل الذي نشأ عليه ونشأ عليه آباؤه.
إذا شبهته فخير ما تشبهه به أنه نسيم لطيف لا يجمد في مكان ولا ينطلق انطلاق الرياح ليزعزع ما يقف في طريقه؛ ولكنه أبداً يحمل عطر الأزاهير في مروج البنغال.
يرى بعض الناقدين أن شعر تاجور يفقد كثيراً بالترجمة من البنغالية إلى الإنجليزية أو الفرنسية.
ويبدو لي أن هؤلاء الناقدين على صواب، لأنني سمعت تاجور يغني شعره البنغالي فأحسست لنغماته لطافة ووسوسة لا تنتقل بانتقال المعاني والكلمات.
إلا أن الخسارة الكبرى هي في نقل تاجور من البنغالية إلى الإنجليزية أو الفرنسية ثم في نقله من إحدى هاتين اللغتين إلى العربية.
وأخشى أن أقول إن هذه الترجمة قلما (تمسك) تاجور إلا كما تمسك الماء الغرابيل.
على أنه لو نقل إلى العربية كما نقل إلى الإنجليزية لما أمسكه من القراء إلا القليل، لأنه شعاع لا يوزن بميزان الشعر الذي يسيغه الأكثرون من أولئك القراء، وأدق موازينهم ميزان جواهر ودنانير.
قال لي أديب كبير كان من أوائل المحتفلين بشاعر الهند يوم عبوره بالديار المصرية: أنا لا أدري سر هذه الشهرة العالمية، وما أحسب إلا أن الدولة البريطانية بسلطانها وجاهها أرادت أن تظهر للعالم مبلغ آلائها على الهند فأبرزت هذا الشاعر مثلاً لما أفادت به أهل