ممرّ الأيام وكرّ الأعوام، فتصل بين أطرافها، وتربط بين أنحائها، وتوثق العلاقة بينها من أقصاها إلى أقصاها، إلى أن تجعل منها وحدة متماسكة الأجزاء لا انفصام لها ولا انفصال، فإن روابط الجنس واللغة والدين قد صيّرت الممالك الشرقية توائم، بل وطناً واحداً محبباً إلى كل النفوس هنا وهناك، وقد تنبهت أممنا إلى هذا الترابط، فأخذت تفكر فيما كان عليه السلف من علوم وثقافة ومعارف لإحيائها وبعثها من جديد في صورة شرقية غربية سليمة، وإن تعاون الأدباء في العصر الحاضر على نشر هذه الثقافات ليبشر بمستقبل جديد باهر تصفو فيه الحياة الروحية من شوائب الغربيين ولوثات المحدثين المارقين.
فإن التخلص من البدع الزائفة التي دخلت في عقائدنا وأعمالنا وتصرفاتنا وتقاليدنا وسائر أحوالنا لمن أهم ما يجب البدء به في هذا الإصلاح الذي ينشدونه للأمم الشرقية، إذ يرجع بنا - نحن الشرقيين - إلى الأصول الأولى الحقة المبرأة من كل زيف، ومن كل مستحدث من البدع والتقاليد الضارة، وبذلك تتحد وجهات الأنظار وتتفق مسارح الأفكار؛ وتقوى أممنا بالاتحاد في الحق والائتلاف في الفضيلة، وتخرج من التطور الفاسد إلى التطور الصالح المؤسس على الفضيلة والحق؛ فتجتمع القلوب بحكم الطبيعة، وتتوحد الغابات، وتتبين المثل العالية، والأهداف البعيدة الرفيعة.
وما أحوجنا إلى من ينهض بالشرق نهضات أدبية وخلقية واجتماعية، بعد أن تناثرت أجزاؤه، واضمحلت هيئته، وضعف التئامه وقد كاد يتداعى للانحلال.
أدرك هذه الحال رجال من العلماء المثقفين والأدباء المخلصين فأخذوا في هذه الأيام يجاهدون بأقلامهم وقلوبهم ونفوسهم في سبيل الدعوة إلى اتحاد الشرق ليكون جسماً واحداً هائلاً كبيراً، قوي البينة، سليم الهيئة، تتعاون أعضاؤه، وتلتحم أجزاؤه.
وكم بذلوا من وقت ومال، وعلم مذخور، في صون حقوقه وحفظ ملته وحياته من الضياع، فصوبوا معاولهم الأصول الفاسدة لهدمها وتقويضها، وأكثروا من الكتابة في المجلات والصحف لتأسيس الأصول الصالحة للمدنية القوية النافعة، وتعهدوها بآرائهم وفلسفتهم وجهادهم حتى تكون كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
وكم أنحوا على المقلدين للغربيين تقليداً طائشاً لا نفع فيه، وعابوا عليهم انتحالهم أطوار الأوربيون التي لا تتلاءم مع الأوضاع الشرقية، ولا تتناسب مع الحياة الإسلامية، حتى