ممن لم يؤت الجرس الحلو ولا اللحن المطرب؟ واسألوهم ألا تهزم (سحبة) صبا، أو (حطّة) على الرصد، أكثر مما تهزم معاني كلام جبار السماوات والأرضين؟
أما إنه لا جدال في وجوب ترتيل القرآن وتجويده، وضبط مخارجه وأحكامه وأدائه، أما أن يكون القصد من الإصغاء إليه الطرب، والغاية من تلاوته الإطراب، فلا، ثم لا. . . وما مثل من يفعل ذلك إلا مثل ضابط في الجيش بعث إليه القائد برسالة فيها بعض أمره ونهيه، فلا هو ائتمر ولا انتهى ولا فهم معناها ولا حاول، وإنما قبلها ووضعها من التعظيم على جبينه ثم تلاها خمسين مرة، يتغنى بها ويرتلها، ثم جعلها تميمة تعلق على الصدر. . . ولله المثل الأعلى!
وقد حدثني الصديق الفاضل الأستاذ عبد المنعم خلاف أن في مصر قارئاً (سمّاه ونسيته) إذا قرأ أعطى المعاني حقها ففخّم وهوّل عند وصف العذاب، ورقق وجمّل عند ذكر النعيم، وحكى رنة صوت المستفهم والمتعجب عند الاستفهام والمتعجب، فإذا صار إلى آخر الآية ليسمعه الناس فيكون قدوة للقارئين صالحة؟ إن القائمين على أمر الإذاعة يحسنون صنعاً إذا سألوا الأستاذ خلافاً عن اسمه ودعوه. . . وأنا واثق أنهم لن يفعلوا!
هذه هي حال القراء، جعلوا القرآن كالغناء، بل ربما عدوه سلماً إلى الغناء! ألا ترى إلى بعض المطربات المصريات المشهورات، كيف ابتدأن قارئات، فارتقين حتى صرن مغنيات؟ أو لا ترى أن من كتاب الرسالة من ذكر المغنين مرة فعد الشيخ محمد رفعت في أهل الغناء؟
ثم إن القراء خصلة أخرى.
ذلك أن منهم من أولع بالقراءة على السبع، في المساجد والمجامع، يكرر الآية الواحدة على الأوجه المختلفة، فلا يأتي من ذلك إلا فتنة العامة، وتشكيك الجهلاء، وما يخالط القارئ من العجب والزهو، وذلك ما لا يستحبه الشرع. ولقد ثبت في الحديث أن القرآن أنزل على سبعة أحرف، تسهيلاً على العرب المختلفة لغاتهم، وكانوا يقرؤون عليها جميعاً، حتى إذا كان زمان عثمان رضي الله عنه، وسيطرت لغة قريش أو كادت، وتوحدت اللغات ولم يبق للسبعة الأحرف من فائدة إلا اختلاف الناس، أمر عثمان بالاقتصار على واحد منها ومنع ما عداه، وكتب المصحف الإمام وبعث به إلى الأمصار، واقتصر الناس على الحرف الواحد