حتى نشأ النحاة وأهل اللغة والقراء، فوقع بينهم اختلاف يسير في حركة أو إمالة أو مد أو همز فكان من ذلك القراءات السبع، وهي على حرف واحد وليست على الأحرف السبعة كما يظن بعض من لا علم له. . .
فإذا كان عثمان قد أمر بالاقتصار على حرف واحد من الحروف السبعة المنزلة ضماناً للمصلحة، فلم لا نقتصر على قراءة أو قراءتين فقط من القراءات السبع نقرأ بها في المساجد والمجامع، وندع لمن شاء من المتخصصين أن يحفظها ويرويها كلها من غير أن يذيعها على العامة الذين لا يعرفون إلا قراءة حفص في المشرق كله وورش عند المغاربة؟
هذا رأي فيه المصلحة، وهو من روح الشريعة التي تكره الاختلاف والفتنة أرجو من سادتنا العلماء المقلدين المقدسين لكل ما درجوا عليه الثائرين على كل رأي جديد، أن يفكروا ويتثبتوا قبل أن تقوم قيامتهم عليّ!
أما العامة وأشباههم فإن أكبر همهم أن يستكثروا من المتلوّ ولو أهملوا قواعد التجويد، ويتسابقون إلى الختمة، ولو قرؤوا شاردة أذهانهم؛ حتى أن لي عمة عجوزاً تقرأ كل يوم ختمة وتفخر بذلك، مع أن عمر بن الخطاب وهو أعلم من عمتي - ولو لم تقر بذلك - أنفق دهراً في البقرة حتى قرأها فقيه متدبر. . . وسبب هذا التسابق على الاستكثار من المقرؤ اعتقادهم أن للتالي بكل حرف عشر حسنات ولو قرأ قراءة ببغاويه. . .
ولندع هؤلاء ولنعرج على العلماء فنسألهم إذا لم يكونوا ممن يحرم الاجتهاد، ويرى أن الأئمة قد استنبطوا من القرآن كل شيء، ولم يبق إليه حاجة إلا استنباط. . . البركة!
نسألهم: كيف يتدبر القارئ الآيات للتدبر المطلوب، وليس عند المسلمين إلى اليوم تفسير لمعاني القرآن مختصر، حاوٍ لأسباب النزول والناسخ والمنسوخ، وبيان المحكم والمتشابه، خالٍ من فروع النحو والبلاغة ومسائل الفلسفة، مبرأ من الأكاذيب والإسرائيليات وتضارب الروايات في وضوح عبارة وبيان إشارة يفهمه الغبي قبل الذكي، وطالب العلم قبل العالم؟ ومتى يظهر التفسير الذي انتهى إلينا من سنوات عزم إدارة الأزهر على إخراجه للناس، وأنها ألفت له لجنة وسمّت لها رجالاً؛ فما صنع الله بلجنته ورجالها؟
وإذا لم تكن لجنة أفليس في العلماء من يستطيع أن يؤلف هذا التفسير لمعاني القرآن، لا كتفسير الجلالين المخل باختصاره ولا كالنسفي المقصور على النحو، ولا كالكشاف المعنيّ