بالبلاغة، ولا كالفخر الرازي المترع بالفلسفة والعلوم والإشكالات والردود، ولا كالخازن الفياض بالإسرائيليات المكذوبة، ولا كالطبري الذي يشتمل على الروايات الكثيرة المختلفة، ولا كتفسير طنطاوي جوهري الذي حشد فيه من قضايا العلم الطبيعي التي لم يكن من أهلها ما لم يدع مكاناً للتفسير، ولا كتفسير المنار المطول الذي يشبه دائرة معارف تحتاج إلى عمر كامل، بل يأخذ من كل مزايه ويجتذب عيوبه، ويضم على ذلك ما لم يكن يدركه المتقدمون.
هذا ولم نزل نسمع بالإعجاز، ونعرف عجز العرب وهم شياطين البلاغة ومردة القول، عن أن يأتوا بمثل سورة من القرآن برغم التحدي الموجع، والاستفزاز البين، وقد قرأنا ما كتب في بيان الإعجاز وأسراره من لدن عبد القاهر والباقلاني إلى الرافعي ولكنا لا نزال نجهل أسرار الإعجاز، ولا نجد في كل ما كتب ما يبرئ من علة، أو يشفي الغلة، على طول البحث، وامتداد الزمان، حتى كدت أقول بالصرفة كما قال المعتزلة، فمتى يؤلف في الإعجاز الكتاب الذي يضع أيدينا على سره حتى تلمسه لمساً؟
إن كتاب الرافعي في حسن عرضه، وبلاغة عبارته، وصفاء ديباجته، يكاد يكون معجزاً لكتاب العصر عن تأليف مثله، ولكن اقرأه، ثم أطبق الدفتين ولخص لي رأيه في الإعجاز، وقل لي ما هي (نظريته) فيه؟ وهل تشبع الباحث، وتروى ظمأ الحيران؟
هذا وإن ما تقدم من تصحيح التلاوة، والتفسير والبحث في الإعجاز، إنما هي مقدمات، وجوهر الموضوع في دعوة العلماء إلى العودة إلى القرآن والسنة، ودرسهما دراسة المجتهد الفقيه المتبصر، واستنباط الأحكام منهما، وتنقية عقائد المسلمين مما يخالفهما، والفتوى بهما لا بالدر وحواشيه، ولا بأقوال أئمة المذاهب، فإنهم على ما بذلوا رحمهم الله وما أحسنوا، إنما راعوا مصلحة الناس في زمانهم، واعتمدوا العرف المعروف في أيامهم، والقرآن لكل زمان ومكان. وليس القصد أن ندع المذاهب جملة، ونأمر الناس جميعاً بالاجتهاد، فهذا ما لا يقوله ذو مسكة من عقل، ولكن القصد النظر في أدلة الأحكام الفقهية، فما كان دليله النص فلا مساغ للكلام فيه، وما بني على العرف يتغير بتغيره، وهذا معنى القاعدة المعروفة:(لا ينكر تبدل الأحكام بتبدل الأزمان).
فأفهموا الناس أن القرآن لم ينزل ليكون تمائم ورق، ولا ليتخذ منه غناء وطرب، ولكنه