أن يفقد بعض الألفاظ استعماله المعقول المعروف ليدل على معنى جديد)، وعلى ذلك فمتولي يخطئ بشر فارس إذ يقول في مقدمة مسرحيته: إن الرمز الذي بنيت عليه المسرحية (بعيد أن يكون لوناً من التشبيه أو الكناية إلى غير ذلك من ضروب المجاز بل هو صورة، أو قل سرب صور ينتزعها المنشئ من المبذول).
ونحن لا نعرف وجهاً لهذه التخطئة إلا أن يكون كلام بشر خارجاً عما يفهمه متولي من الرمزية، ويؤسفنا أن نذكر متولي بحقيقة كان يجب ألا تغيب عن ذهنه، وهي أن بشر فارس حر في أن ينحو النحو الذي يوافق هوى نفسه من ألوان الرمزية المستحدثة، وأن يعرض عن (ريبو). ويؤسفنا أيضاً أن نقول لمتولي، إن الرمز عند (ريبو) - وذلك في حدود الجملة السابقة لا يخرج عن (المجاز)، إذ المجاز عندنا (هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة)، ومن ذلك ما يعرف في باب (الكناية) بالرمز، وهو الكناية التي قلت الوسائط فيها وخفيت.
وغريب ألا يفطن متولي إلى هذا، لا سيما بعد أن نبه بشر فارس إلى ابتعاد طريقته عن مثل هذا الرمز، فأورد في (مقدمته): (إن مسرحيته مجراة على الطريقة الرمزية إذا شئت)، ثم وضع بشر بعد ذلك فصلاً في هذه المجلة شرح فيه لم قال (إذا شئت)، فدلَّ على أن الرمزية التي أنساق إليها وارتاح، هي شيء بين (التأثرية) و (التعبيرية)، وقوامها الحياة الباطنة، واعتمادها الاضطراب الدفين!. . .
من هذه المآخذ المتعسفة في نقد مقدمة المسرحية، انساب الأستاذ بقلمه إلى المسرحية نفسها متسائلاً (ما قيمتها كقطعة رمزية؟) وسرعان ما أفتى بعد ذلك، وبلسان (ريبو)، فقال (إن ريبو فيلسوفنا نفسه يقرر أن الرمزية تستخف بتمثيل العالم الخارجي تمثيلاً صادقاً. . . فإذا الناس والأشياء لا تنطبع بزمان أو مكان. . . وقد تمعن في الإبهام فتقول هو - أو - هي - أو - أحدهم)، فهل هذا مستوفي في مسرحية بشر فارس بعد أن أسمى بطلة مسرحيته (سميرة)، وبعد أن حدد المكان الذي جرت فيه حوادث المسرحية وهو مصر؟
وجوابنا على هذا:
١ - أن (ريبو) قال (وقد تمعن)، و (قد) هنا للتقليل، وكان أن رجعنا بدورنا إلى النص الفرنسي فوجدنا أن (قد) هذه تساوي كلمة أي أن الإمعان في الإيهام ليس أمراً لازماً.